دعت النائبة في البرلمان الإسباني، تسلم
سيدي، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، إلى قطع جميع العلاقات
الأوروبية مع
إسرائيل، وخاصة كل ما يتعلق بالاقتصاد والتجارة والمساعدات، وكذلك جميع
الاتفاقيات المتعلقة بالأسلحة.
وانتقدت سيدي موقف بعض الدول
الأوروبية من حرب
غزة، قائلة: "هم دائما ما يستخدمون ذريعة تتعلق بالحقبة
النازية ويقولون إنهم يقفون مع الشعب اليهودي، لكنني دائما أقول إن الأمر لا يتعلق
باليهود أو المسلمين. الأمر يتعلق بحقوق الإنسان، والعذر الذي استخدمه
النازيون في قتل اليهود يُستخدم اليوم كعذر مشابه له في قتل الفلسطينيين".
وأشارت إلى أن "القضية
الفلسطينية هي الفرصة الأخيرة المتاحة لنُعيد للناس الثقة في حقوق الإنسان، أو
أننا في النهاية سوف نسمح لروسيا بغزو أوكرانيا ويكون الأمر عاديا، ونسمح لإسرائيل
بتطبيق أبارتايد جديد ويكون ذلك مقبولا. أعتقد أن الناس بحاجة الآن لأن يؤمنوا بأنه ستكون هناك منظمة دولية تحمي حقوقهم".
وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تقيّمون الموقف الرسمي
لإسبانيا تجاه حرب غزة؟
نحن نتابع بقلق شديد ما يجري في غزة،
وما يجري هو تطهير عرقي خطير، وهذا مستمر منذ أكثر من 70 عاما، وموقف الحكومة
الإسبانية المتعلق بالإبادة الجماعية بغزة كان واضحا جدا منذ البداية. نحن نقف مع فلسطين، لكن نحن، كأحزاب يسارية، وأنا كنائبة أيضا في البرلمان الإسباني،
ومن حزبي الذي هو جزء من الائتلاف الحاكم، ندرك جيدا أن ما نفعله لا يكفي؛ فغزة
بحاجة إلى المزيد من الدعم والأفعال والضغوط، وما نقوم به هو قطرة صغيرة في بحر هائل من الاحتياجات.
نعلم أننا نستطيع الوقوف مع فلسطين، لكننا نحتاج أن نضغط بشكل أكبر وأقوى. وأنا
أدعو إلى قطع جميع العلاقات الأوروبية مع إسرائيل، وخاصة كل ما يتعلق بالاقتصاد
والمساعدات، وكذلك جميع الاتفاقيات المتعلقة بالأسلحة؛ فلا بد من قطع جميع العلاقات الاقتصادية والتجارية والعسكرية
مع إسرائيل، ولا يمكننا أن نعطي لإسرائيل شيئا بالمجان في حين تستمر في جريمة الإبادة
الجماعية بغزة.
وأعتقد أن إسبانيا، خصوصا مجتمعنا
المدني، كان واضحا منذ البداية، لكننا نحتاج أن نضغط أكثر، خصوصا داخل الاتحاد
الأوروبي، والذي يمر بلحظة سيئة.
هل ترون أن الموقف الإسباني
كان منسجما مع القيم الأوروبية لحقوق الإنسان؟
أعتقد أننا بالفعل متوافقون مع ما
نقوله، وما نحن مرتبطون به حقا، وهو حقوق الإنسان. لكن أعتقد أننا وحدنا للأسف، نحن حقا وحدنا في الاتحاد الأوروبي؛ فإسبانيا
معزولة في هذا الإطار. كما تعلم، الاتحاد الأوروبي يضم فرنسا وألمانيا، ولديهم الكثير من النفوذ داخل
الاتحاد. هم دائما يستخدمون ذريعة تتعلق بالحقبة النازية ويقولون إنهم يقفون مع الشعب
اليهودي، لكنني دائما أقول إن الأمر لا يتعلق باليهود أو المسلمين، الأمر يتعلق
بحقوق الإنسان، والعذر الذي استخدمه النازيون في قتل اليهود يُستخدم اليوم كعذر مشابه له
في قتل الفلسطينيين.
إذا كنتم تريدون ارتكاب محرقة جديدة
أم لا؛ فهذا الأمر يتعلق بحقوق الإنسان، وعليك الاختيار أن تكون في هذا الجانب من
التاريخ أو في الجانب الآخر. أعتقد أن إسبانيا تقف في الجانب الصحيح من التاريخ.
كما قلت، نحتاج إلى فعل المزيد
والمزيد. بالطبع، أعلم أن هذا لا يكفي، خصوصا أنا كمدافعة عن حقوق
الإنسان، أشعر أننا لا نفعل ما يكفي، وهناك تقصير شديد لدى الاتحاد الأوروبي،
وخصوصا لدى ألمانيا وفرنسا، وكنت قد تحدثت مع أعضاء في البرلمان الألماني، من حزب
الخضر، وهو الحزب الأقرب إلينا، ويقولون إنه من المستحيل الحديث عن فلسطين، وفي فرنسا، تتم ملاحقة
جميع الاحتجاجات، ويتم إيقافها من قِبل الشرطة، وفي ألمانيا لا يُسمح بها أصلا.
عندما بدأتُ أتحدث عن فلسطين
هنا في البرلمان والإعلام الإسباني، كان الجميع يقول: إنها عربية، إنها إرهابية،
حتى وسائل الإعلام شديدة الاحترافية كانت تقول ذلك مع الأسف الشديد، بينما الآن
الجميع يقول: حسنا، كان ذلك عملا شجاعا جدا، لكن لا أرى نفس الشيء في دول أخرى،
لأنه من المحرمات، أمر لا يُسمح بالحديث عنه.
لذا، يفضل الجميع العيش في هذه
الغفلة، العيش وكأنهم لا يرون شيئا، بدلا من التحدث عن فلسطين. لذلك،
أعتقد أن إسبانيا وحدها في هذا الجانب الصحيح.
ما دور البرلمان الإسباني
في مواجهة الجرائم الإسرائيلية؟
أعتقد أن موقف إسبانيا واضح جدا في
هذا الشأن. أعني أن الناس في إسبانيا لديهم حس تضامن متطور جدا، والسبب هو أننا عانينا أيضا من أزمات
اقتصادية كثيرة، وكنّا أيضا تحت الديكتاتورية لسنوات عديدة، لذلك لدينا هذا
التضامن، ورغم أننا في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، وكل شيء سريع جدا، وهناك الكثير
من المعلومات المضللة، لكن الجميع يقول الحقيقة كما هي، هذه إبادة جماعية؛ فهم
يقتلون الأطفال، ويمنعون دخول المساعدات.
ضغطنا في البداية من أجل المساعدات
الإنسانية، ثم واصلنا هذا الضغط، وقدّمنا أموالا أو جزءا من ميزانيتنا السنوية،
للمساهمة في دعم قضية جنوب أفريقيا بمحكمة العدل الدولية؛ لأننا كنّا نعتقد في ذلك
الوقت من العام الماضي أنه إذا أصدرت محكمة العدل الدولية أي بيان يفيد بأن هذه
إبادة جماعية، فإنه سيتم تبني الموقف من قِبل دول أوروبية أخرى، لكن الواقع ليس
كذلك.
رأينا كيف أن إسرائيل تجاوزت كل
القوانين الدولية، وبدعم كامل من الولايات المتحدة، ومرة أخرى فإن
ألمانيا وفرنسا والنمسا أيضا يقدمون الدعم لإسرائيل. نعلم أن ما يحدث
هو إبادة جماعية، لكنني أشعر أن الناس في غزة أصبح لديهم سخط شديد، ويطالبون بفعل
المزيد، ويطالبون حكومتنا بفعل المزيد، لكننا نقول إننا لا نستطيع إيقاف هذا للأسف.
الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
كانوا يتحدثون عن القانون الدولي طوال السبعين عاما الماضية، وقد بذلوا الكثير من
الجهد والمال في جميع المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، لكن الناس الآن أدركوا
أن ذلك لا يعمل إطلاقا.
لذلك، أعتقد أن القضية الفلسطينية هي
الفرصة الأخيرة المتاحة لنُعيد للناس الثقة في حقوق الإنسان، أو أننا في النهاية سوف
نسمح لروسيا بغزو أوكرانيا ويكون الأمر عاديا، ونسمح لإسرائيل بتطبيق أبارتايد
جديد ويكون ذلك مقبولا. أعتقد
أن الناس بحاجة الآن لأن يؤمنوا بأنه ستكون هناك منظمة دولية تحمي حقوقهم.
الأمر لا يتعلق بحقوق الفلسطينيين
فقط، بل يتعلق بحقوقنا جميعا، لأن إسرائيل تبتز إسبانيا طوال الوقت بطرق مختلفة، وهذا
يزرع نوعا من الخوف في مجتمعنا عند اتخاذ قرارات مثل إلغاء العقود المتعلقة بالأسلحة أو غيرها، فإنهم
يبتزوننا فعليا، وهناك العديد من الرسائل المبطنة بهذا الخصوص في وسائل التواصل
الاجتماعي وفي كل مكان.
ونحن نؤكد أن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع في الشرق الأوسط، ولا تخص
الفلسطينيين أو العرب وحدهم، إنها مسألة إنسانية بحتة، خاصة أننا نرى فاشية متصاعدة
في العالم، وهناك تحالف للكراهية تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل.
هل البرلمان الإسباني على
تواصل مباشر مع جهات فلسطينية بعينها لبحث سبل الدعم؟
بالتأكيد، كنّا قد اعترفنا بدولة
فلسطين كدولة خلال العام الماضي، ومنذ ذلك الحين، أصبح لفلسطين سفارة هنا. قبل
ذلك، كان لديها ما يشبه السفارة، لكن كما تعلمون لم نكن نعترف بها كدولة. الآن
نحن نتعامل مع الجهات الرسمية، ونحن لا نتعامل بالطبع مع حركة حماس،
رغم أننا نعتقد أن كل مَن يعيش تحت الاحتلال له الحق في تقرير المصير والمقاومة.
نحن نقرّ بحق الشعب الفلسطيني في
المقاومة، والفلسطينيون ليس أمامهم أي خيار آخر سوى المقاومة بصورها المختلفة،
ونحن نضغط بكل قوتنا في البرلمان الأوروبي حتى نوقف إرسال كل أنواع الأسلحة
لإسرائيل، ونمارس ضغوطا على الاتحاد الأوروبي من أجل مواجهة الجرائم الإسرائيلية.
وفي حالة حزبي الذي يتولى وزارة الصحة
قمنا بجلب عدة أطفال من غزة لتلقي العلاج من السرطان هنا في إسبانيا التي تمتلك
نظاما صحيا عاما ممتازا، والجميع كان موافقا على ذلك، لكن من الصعب جدا أن نحضر
هؤلاء الأطفال وعائلاتهم لأن إسرائيل كانت تعرقل ذلك، وقد جلبناهم من
مصر، وكان الأمر صعبا للغاية، لكننا سعداء، ونحن نبذل جهودا على كل المستويات.
لدينا علاقات دبلوماسية مع
الرئاسة الفلسطينية المُعترف بها من الأمم المتحدة، وأنا شخصيا أشارك في الكثير من
الفعاليات الثقافية والسياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
كما أنشأنا هنا في إسبانيا حركة
قانونية بالتعاون مع عدد من القضاة والمحامين لإيجاد طرق
لإلغاء جميع العقود الموقعة مع إسرائيل، ونعمل أيضا على عقد اتفاقيات مع جامعاتنا
لجلب الفلسطينيين للدراسة هنا أو لإكمال دراستهم.
في الواقع، الأمر صعب جدا، وهناك
قدر كبير من النفاق في أوروبا، وإسبانيا ليست استثناء، حتى لو كنت جزءا من الحكومة،
لكنني أردت فقط أن أكون صادقة؛ ففي الغرب عموما، يوجد الكثير من النفاق؛ فعندما
اندلعت حرب أوكرانيا رحبنا بالكثير من الناس هنا في إسبانيا، وبذلنا جهدا كبيرا لإعداد
جميع الوثائق، وكل ما يتعلق بالهجرة وما إلى ذلك، لكن في حالة فلسطين، أو عندما
يتعلق الأمر بدول إفريقية، فنحن لا نبذل الجهد ذاته.. هذا هو الواقع بصدق، لكننا على الأقل
أفضل من بعض الدول الأخرى.
ورغم أن المحاكم الأوروبية أقرّت بأن ما يحدث هو تطهير عرقي، إلا أن هناك
بلدانا تتصرف بشكل منافق، والصراع الحالي يمر بضغط دولي كبير، وسنواصل ضغوطنا في هذا
الصدد.
هل الموقف الإسباني من حرب
غزة تغير اليوم مقارنة بما كان عليه الحال في بداية الحرب؟
لا أرى أن هناك تغيرا في المواقف. أعتقد
أنه في بداية الغزو من 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وحتى بعد 15 يوما، كان الجميع
في حالة صدمة، والعالم كان ينتظر شيئا ما، ودائما ما أقول
إن الجميع كان يتوقع أن يكون هناك ضحايا فلسطينيون ليقولوا إن الوقت قد حان
لدعم فلسطين.
كان من الصعب دائما الحديث عن إسرائيل؛
لأن العالم كان يعتبر إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهذا ما
يقولونه في وسائل الإعلام الغربية، التي كانت دائما تقول إن إسرائيل هي
الديمقراطية الوحيدة هناك، رغم أنها مشروع استعماري أمريكي.
كان من الصعب جدا قول أي شيء، وكانت
هناك حركات حقوق المثليين التي عملت على تجميل صورة إسرائيل وعلى تصويرها كدولة
ديمقراطية، وعلى أنها دولة تقدمية وليبرالية، لكن الآن تضررت صورتهم كثيرا لأنهم
يرتكبون إبادة جماعية، لكن الجميع أيضا لا زالوا خائفين من قول أي شيء حتى الآن.
موقفنا لم يتغير، بل
أصبح أقوى وأكثر دعما لفلسطين. الشيء الجيد
حاليا هو أن مجتمعنا أصبح يعرف الكثير عن القضية الفلسطينية، لأن فلسطين عبارة عن
صراع بعيد جدا بالنسبة للكثير من الإسبان، والمجتمع أحيانا يكون غير مُدرك لما
يحدث في الشرق الأوسط، لكنهم الآن بدأوا يدركون حقا أننا لسنا في أمان.
أعتقد أن الكثيرين بدأوا
يدركون أن إسرائيل مشروع استعماري أمريكي في الشرق الأوسط، وهي دولة مُلحقة
بالولايات المتحدة حتى تسيطر لها على منطقة الشرق الأوسط.
هل إسبانيا يمكن أن تحتضن مؤتمرا دوليا لبحث إنهاء الصراع بين إسرائيل وفلسطين على
أساس حل الدولتين؟
عندما اعترفنا بفلسطين قلنا إننا
ملتزمون بذلك؛ لأننا نعتقد أن الأمر أسهل بالنسبة لإسبانيا. نعلم أن المجتمع المدني في ألمانيا ودول أخرى في
أوروبا، من الصعب عليه الحديث عن هذا الموضوع، ونحن نعلم أن الأمر بالنسبة لنا سهل
جدا أن نقف مع فلسطين. هناك أيضا دول أمريكا الجنوبية التي كانت مواقف حكوماتها
أيضا واضحة جدا، ونحن لدينا علاقات جيدة جدا مع شمال أفريقيا، والشرق
الأوسط، وأمريكا الجنوبية.
إسبانيا الآن لديها مكانة
جيدة جدا داخل الاتحاد الأوروبي، واقتصادها متطور جدا وينمو بسرعة كبيرة، خاصة
أننا في أوروبا لم نتأثر فعليا بالركود الحاصل حول العالم. لقد أنشأنا دبلوماسية
جيدة داخل الاتحاد الأوروبي. لذلك، سيكون الأمر سهلا فيما بيننا، لكننا
نعلم أن الولايات المتحدة، وبعض الدول في أوروبا، لا تريد هذا. نحن نعتقد أن الوقت
قد حان، ولا يمكننا أن نسمح أن يعيش الشعب الفلسطيني صيفا آخر في الجوع، خاصة أن إسرائيل تستخدم التجويع
كسلاح ضد المدنيين في غزة.
نحن نؤمن بهذا الحل من خلال عقد مؤتمر دولي من
أجل محاولة إنهاء الصراع الإسرائيلي والفلسطيني على أساس حل الدولتين، وعلينا أن نسأل الفلسطينيين ونضعهم على الطاولة ليتحدثوا عن الحل؛ لأننا
كأوروبيين، لا يمكننا تقديم الحل، لأننا سنبقى مستعمرين
في هذه الحالة، ولأن إسرائيل وُجدت هناك بسبب المملكة المتحدة.
لذلك، لا نريد أن نفرض أي حل مثلما
تفعل الولايات المتحدة الآن مع أوكرانيا. نعتقد أنه يمكننا الجلوس مع إسرائيل على نفس
الطاولة ومع فلسطين، ونبدأ بالحديث عن اتفاقات مبدئية، لكن بالطبع يجب وقف
الإبادة الجماعية أولا، ودون وقف إطلاق النار لن يكون ذلك ممكنا أو مجديا، ولن يتحقق ذلك دون وقف ضخ
المال لإسرائيل للاستمرار في قتل الناس، وبالتالي فلن يكون هناك أي حل في
الوقت الحالي بهذه الطريقة، لكننا نؤمن ونبذل كل جهودنا داخل الاتحاد الأوروبي للمشاركة
في مؤتمر السلام الذي اقترحناه عام 2023.