ملفات وتقارير

منظمة "الهاديجل" الإسرائيلية.. "أقتل دون أن يرف لك جفن"

خوفا من الملاحقة القضائية بات جنود جيش الاحتلال يخفون وجوههم- جيتي
أثار قرار جيش الاحتلال الإسرائيلي حجب وجوه وأسماء 120 جندياً خلال مشاركتهم في الحفل السنوي لتكريم الجنود والذي أُقيم في مقر الرئاسة الإسرائيلية بمدينة القدس المحتلة، جدلا واسعا وذلك خشية تعرضهم للملاحقة القضائية الدولية على خلفية حرب الإبادة المتواصلة ضد قطاع غزة.

وقد حضر الجنود المراسم دون السماح بعرض وجوههم أمام وسائل الإعلام، في خطوة اتخذتها الرقابة العسكرية التي عمدت أيضًا إلى تمويه وجوه الجنود خلال لقاء جمعهم برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وزوجته، خوفًا من رصد هوياتهم من قِبل جهات حقوقية أو قانونية دولية.

ويرى خبراء أن هذه الإجراءات تعكس قلق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من التبعات القانونية المحتملة، وتشير بشكل غير مباشر إلى إدراكها لحجم الانتهاكات التي قد يكون جنودها قد ارتكبوها بحق المدنيين في غزة، وهو ما قد يعرّضهم للمساءلة الدولية٬ ويقيد حركة سفرهم في الخارج.


وتعمل منظمات إسرائيلية على حماية جنود الاحتلال المتورطين في جرائم إبادة جماعية في غزة من الملاحقة. ووفقا لما ذكرته وكالة بلومبيرغ فإن "منظمة الهاديجل" – وهي كيان يضم ضباط احتياط في جيش الاحتلال – تتعامل بجدية مع هذه التهديدات القانونية التي تلاحق جنود الاحتلال، حيث بادرت المنظمة، بالتعاون مع مكتب "هرتزوغ فوكس ونيمان" للمحاماة في الاحتلال الإسرائيلي، إلى إعداد حزمة مساعدات قانونية للجنود النظاميين وجنود الاحتياط. 

وتهدف هذه المبادرة إلى تقديم الدعم القانوني لأي من أفراد الجيش الذين قد يُلاحقون أمام محاكم دولية بتهم تتعلق بالانتهاكات في غزة، وسط تصاعد الدعوات الحقوقية لإجراء تحقيقات ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب المحتملة.


من هي "منظمة الهاديجل
حركة إسرائيلية تأسست بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، على يد مجموعة من ضباط الاحتياط الذين خدموا في وحدات قتالية، مثل وحدة "سييرت متكال" النخبوية.  

وتنشط المنظمة في المجالات الاجتماعية والسياسية والقانونية، وتركز على تعزيز القيم الصهيونية ودعم المجتمع الإسرائيلي، خاصة في أوقات الأزمات.

ودعا دافيد شيراز، وهو أحد المؤسسين ومن أبرز الأصوات في الحركة، دعا إلى "إعادة ضبط" النظام السياسي والعسكري والقضائي في الاحتلال الإسرائيلي، معتبراً أن التغيير الحقيقي يجب أن يأتي من خارج المؤسسة السياسية التقليدية.

كما شاركت "الهاديجل" في تنظيم مسيرات تطالب بالتجنيد الإلزامي لجميع الإسرائيليين، بما في ذلك المتدينين من الحريديم، وذلك بهدف "تحقيق العدالة" في تحمل أعباء الخدمة العسكرية. 

كما أطلقت الحركة برامج دعم قانوني للجنود والضباط الذين قد يواجهون ملاحقات قانونية دولية بسبب مشاركتهم في الإبادة الجماعية خاصة في قطاع غزة.

ماذا تقدم للجنود؟
أطلقت منظمة "إل هاديجل" بالتعاون مع مكتب "هيرتسوغ فوكس ونييمان" — أحد أبرز مكاتب المحاماة في الاحتلال الإسرائيلي — حزمة دعم قانوني مخصصة للجنود النظاميين والاحتياطيين الإسرائيليين الذين يواجهون خطر الملاحقة القضائية الدولية على خلفية مشاركتهم في حرب الإبادة الجماعية على غزة منذ 2023–حتى الآن. 

وتهدف هذه الحزمة إلى توفير حماية قانونية شاملة للجنود، خاصة عند سفرهم إلى الخارج.


أولا: استشارات قانونية قبل السفر
توفر الحزمة فحصاً دقيقاً للوضع القانوني للجنود قبل مغادرتهم الأراضي المحتلة لا سيما في ما يتعلق بالدول التي تطبق مبدأ "الاختصاص القضائي العالمي"، مثل إسبانيا والمملكة المتحدة، حيث يمكن فتح تحقيقات بتهم جرائم حرب بناء على بلاغات من منظمات حقوقية دولية.

ثانيا: تمثيل قانوني خارجي عند الاعتقال
في حال اعتقال أحد الجنود أو استدعائه للتحقيق أثناء تواجده خارج الاحتلال الإسرائيلي، يتم تفعيل شبكة من المحامين المحليين لتمثيله أمام الجهات القضائية، والعمل على منعه من الترحيل أو الملاحقة القضائية.

ثالثا: تحركات قانونية مضادة
تشمل الإجراءات أيضاً ملاحقة المنظمات أو الأفراد الذين يرفعون شكاوى تُعتبر "كيدية" ضد الجنود، عبر دعاوى تشهير، أو الضغط على حكومات أجنبية لرفض تلك الشكاوى. كما بعثت المنظمة برسالة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب تطالبه بفرض عقوبات على الجهات التي تسعى لمحاسبة الجنود الإسرائيليين.

إجراءات احترازية وتوجيهات
ونشرت المنظمة "دليلاً توعووياً" للجنود يحذرهم من السفر إلى دول تُصنّف على أنها عالية الخطورة من الناحية القانونية. كما نُصِح الجنود بحذف صورهم العسكرية من حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي قبل السفر، والاحتفاظ بأرقام هواتف القنصليات الإسرائيلية تحسباً لأي طارئ.

وأوصت مستشارة قانونية إسرائيلية الجنود بعدم الإدلاء بأي معلومات للمحققين في حال توقيفهم، مؤكدة أن الصمت يعدّ إجراءً وقائياً في مثل هذه الحالات.


توسعة في التأمين
وفي ظل تصاعد المخاوف، طرحت إحدى شركات التأمين الإسرائيلية خياراً إضافياً ضمن تأمين السفر لجنود الاحتلال، يوفر تغطية تصل إلى ألفي دولار للاستشارات القانونية الأولية، في حال خضوع الجندي لإجراء قانوني مرتبط بخدمته العسكرية.

تندرج هذه الجهود ضمن ما تعتبره تل أبيب استراتيجية دفاعية ضد ما تسميه بـ"حرب القانون" ، والتي تصفها بأنها استخدام معادٍ للقانون الدولي لاستهداف جنودها. في المقابل، ترى منظمات فلسطينية ودولية أن هذه المبادرات تسعى لحماية المتورطين في جرائم حرب وتحصينهم من المساءلة الدولية.

"هند رجب" لهم بالمرصاد
وقامت مؤسسة هند رجب الحقوقية بسلسلة من المبادرات القانونية لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في جرائم حرب، مع تركيز خاص على الانتهاكات التي ارتكبت بحق الفلسطينيين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وشهدت الأشهر الماضية تصعيداً ملحوظاً في جهود المؤسسة، من خلال تحريك دعاوى قضائية وإجراءات قانونية استهدفت شخصيات عسكرية وسياسية إسرائيلية بارزة.


ففي 8 من شباط/ فبراير الماضي تقدمت المؤسسة بطلب رسمي إلى المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة اعتقال بحق العميد يهودا فاخ، قائد الفرقة 252 في جيش الاحتلال، وذلك على خلفية تورطه في عمليات قتل جماعي وجرائم ضد الإنسانية، خصوصاً تلك التي وقعت في منطقة ممر نتساريم بقطاع غزة.

وفي 11 من شباط/ فبراير الماضي، رفعت المؤسسة دعوى قضائية أمام القضاء البرازيلي ضد الجندي يوڤال ڤاجداني، بعد ظهوره في صور موثقة وهو يشارك في عمليات هدم منازل الفلسطينيين في غزة. 

وقد غادر ڤاجداني الأراضي البرازيلية فوراً، هرباً من الملاحقة القضائية المحتملة.


كما قدمت المؤسسة، في 16 من شباط/ فبراير الماضي، شكوى رسمية إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي جدعون ساعر، متهمةً إياه بالتورط المباشر في جرائم حرب إلى جانب رئيس وزراء الاحتلال ضمن سياق الحرب المستمرة على قطاع غزة.

وتأتي هذه التحركات القانونية في إطار سعي المؤسسة لتفعيل أدوات العدالة الدولية، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، لا سيما في ظل تعاظم المطالبات الحقوقية بإجراء تحقيقات دولية مستقلة وشفافة.