مقالات مختارة

غزة تحترق: أين العرب؟

مجازر لا تتوقف في قطاع غزة على يد الاحتلال- الأناضول
كنت أريد أن أستمرّ في كتابة أنواع النشاطات العربية المشتركة، التي يجب أن تتبناها المؤسسات العربية المشتركة والمؤسسات العربية ـ الإسلامية المشتركة، والتي لا تتأثر بالخلافات والصراعات السياسية العربية المتعددة، لولا أن الأحداث المأساوية المتلاحقة خلال الأسبوع الماضي تستدعي التعليق عليها.
أذكّر القراء بأنني كتبت مقالاً، بعد صدور بيان مؤتمر القمة العربية الأخير في القاهرة، يشيد ببعض ما جاء في البيان من مواقف عربية متوازنة مشتركة، وعلى الأخص تجاه الموضوع الفلسطيني، ولكن ما يعيب البيان، عدم ذكر بعض ما يمكن أن تقرره مؤتمرات القمة العربية، من مواقف أكثر حدّة ونديّة في حالة رفض أمريكا والكيان الصهيوني، لما جاء في البيان من مقترحات إنسانية وأخلاقية لتخفيف آلام وأحزان ومصائب شعب غزّة الصابر المناضل المضحّي.
لكن لم يمض يومان بعد صدور البيان حتى جاء الردّ الأمريكي والصهيوني سلبياً ورافضاً ومتحدّياً. ثم أتبعت السلطات الأمريكية ـ الصهيونية المشتركة ذلك الرّفض بالعودة إلى الإبادة اللاإنسانية والتدمير العمراني الممنهج لغزّة وشعبها من جهة، وشعب الضفة الغربية الفلسطيني من جهة ثانية، مضيفاً القيام يومياً بحملات قتل وتدمير هائلة في طول وعرض لبنان وفي سوريا وفي اليمن. والسؤال الذي يطرح نفسه في الحال: ألا يكفي المشهد التدميري اليومي، وبكاء وعويل الأطفال والنساء، والتصريحات الأمريكية اليومية المنحازة من قبل أعضاء الحكومة الأمريكية، ذات الطابع والإرادة والأهداف الصهيونية البحتة، ألا تكفي تلك المناظر لإقناع غالبية رؤساء الدول العربية بضرورة عقد مؤتمر قمة عربية وقمة عربية ـ إسلامية للنّظر في الأفعال، وليس الأقوال، التي يجب أن تؤخذ للجم الجنون الأمريكي ـ الصهيوني الذي خرج عن كل القواعد الإنسانية والأخلاقية بالنسبة لتعامله مع كل قضية عربية في سائر الوطن العربي كله؟ ألا تقتضي الأخوة العروبية والأخوة الإسلامية وضعهما محل الامتحان ومحل التساؤل عما يعنيانه، إذا كانت تلك الأخوة لا تعين ولا تفعل إبّان المحن وإبّان الاستعباد؟ أليس في هذا السكوت وفي تلك الإرادة الضعيفة خروجاً على ميثاق الجامعة العربية وميثاق التضامن العربي ـ الإسلامي؟ بل أليس فيهما تجاهل تام للكثير مما جاء في القرآن الكريم والتراث الإسلامي، بشأن أمة الدين الواحد والتعاضد المشترك الموحد إبّان تكالب الأعداء المتوحدين المتعاضدين؟
لا نريد أن نشكّك في نوايا القيادات العربية والإسلامية، التي تتحدث عنها كل وسائل التواصل الاجتماعي العربية والإسلامية يومياً، وتعبّر عن مشاعر سخط وغضب في قلوب مئات الملايين من العرب والمسلمين. لكننا نتساءل مع غيرنا، هل حقاً أن أسلوب تعامل قادة العرب والمسلمين مع الصلف الأمريكي والإجرام الصهيوني لا يمكن تغييره وتطويره، لجعله معبراً عن مشاعر الشعوب التي يحكمونها، ويؤكدون يومياً أنهم يريدون خدمتها وأمنها؟ هل أمن هذه الشعوب يمكن أن يوجد في الاستعمال الممنهج، لكل سلاح تدميري ضدّ هذه الأمة من قبل القيادة الأمريكية والقيادة اليمينية الصهيونية في فلسطين المحتلة؟ ثم، وبصراحة تامة، متى ستتوقف كل الخلافات العبثية ما بين شتّى الفصائل والسلطات الفلسطينية، وتخرج على العالم بخطوة تكوين قيادة واحدة، تتعامل بصوت واحد، وتبعد كل خائن بصوت واحد، وتطلب معونة أمّتهم العربية وإخوانهم المسلمين وأحرار العالم بصوت واحد؟ إن أشكال السكوت والغمغمات والتناقضات والمماحكات الفلسطينية ما عادت مقبولة. وإذا كان إخوتنا الفلسطينيون يريدون أن يعرفوا عن بعض التبدلات المخيفة في مشاعر بعض العرب وبعض المسلمين، فليتابعوا وسائل التواصل الاجتماعي. ولولا التضحيات الهائلة المقدمة من الإخوة والأخوات والأطفال الفلسطينيين لرأينا الكوارث بالنسبة للمشاعر القومية العروبية والإسلامية. إن بطء الحراك الفلسطيني لبناء القيادة الواحدة أصبح لا يطاق، وإن الاكتفاء بإصدار البيانات الواعدة المطمئنة أصبحت لا تقنع أحداً ولا تنطلي حتى على أبسط الناس.
تبقى ظاهرة سكوت الطلبة والعمال والأحزاب والجمعيات العربية والإسلامية، إلا من رحم ربي من قلة، فإنه كتاب موجع مؤلم آخر تكلمنا عنه وتكلم الألوف عنه. وهو فصل سنعود إليه مراراً حتى يتغير هذا المشهد المشلول والمبحوح الصوت.
يا مؤتمر القمة العربي ومؤتمر القمة العربي ـ الإسلامي: نصيحة نقدمها لكم مع غيرنا للمرة الألف بأن تنشّطوا قيم وأفعال المروءة والشهامة قبل فوات الأوان لشعوبكم ولكم.
(القدس العربي)