صحافة دولية

إيلون ماسك تحت النيران| طرد الموظفين.. وغضب المشاهير.. واشتباكات دبلوماسية

أصبح ماسك هدفًا رئيسيًا للانتقادات- جيتي
نشرت صحيفة "إل باييس" تقريرًا عن تداعيات خطة التخفيضات التي يقودها دونالد ترامب، حيث ندد الموظفون المتضررون بما وصفوه بـ"الفوضى" و"التعسف" في تنفيذ هذه الإجراءات، محذرين من أنها تهدد ريادة الولايات المتحدة العلمية وتعرّض جهود الوقاية من الأوبئة المستقبلية للخطر. 

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن. كيه. واي، وهي مسؤولة في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، كانت من بين آلاف الموظفين الفيدراليين الذين شملتهم قرارات الإقالة الجماعية الصادرة عن وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE) التابعة لإيلون ماسك في 14  شباط/ فبراير، فيما أصبح يُعرف في واشنطن بـ"مجزرة عيد الحب". 

وأوضحت الصحيفة أن رسالة الإقالة التي تلقتها "واي" بررت القرار بأن "مهاراتها" و"معرفتها" و"كفاءتها" لم تكن مرضية، كما أنها وصفت "أداءها" بأنه "غير مناسب". وأضافت أن الموظفة أُدرجت ضمن فئة "الموظفين في فترة التجربة"، رغم أنها عملت لعقد من الزمن في الإدارة الأميركية، غير أن انتقالها إلى وظيفة جديدة في آب/ أغسطس الماضي أدى إلى إعادة احتساب مدة خدمتها من الصفر إداريًا؛ حيث استهدف ماسك، في حملته ضد "البيروقراطية"، الموظفين الذين لم يكملوا عامين في مناصبهم، نظرًا لتمتعهم بحماية قانونية أقل مقارنة بزملائهم الدائمين.

وذكرت الصحيفة أن "واي"، الأم المطلقة ولها طفلة في الثامنة من عمرها، تواجه صعوبة في تسديد أقساط منزلها بعد إقالتها من وظيفتها بسبب حملة التخفيضات الحكومية، كما أنها تعاني من مرض مزمن يتطلب متابعة طبية مستمرة، لكنها الآن بلا تأمين صحي.

وبينت الصحيفة أن هذه التخفيضات تأتي في إطار خطة ترامب لـ “تفكيك الدولة العميقة"، حيث كلف إيلون ماسك بتقليص الإنفاق الحكومي بمقدار تريليون دولار. وقام ماسك وفريقه بتجميد مليارات الدولارات وإقالة موظفين، مستهدفين الوكالات الفيدرالية.

بدأت الحملة بتقاعد طوعي لـ 75 ألف موظف، ثم طالت الموظفين في فترة التجربة، حيث بلغ عددهم نحو 220 ألف موظف في آذار/ مارس 2024. وفي يوم السبت الماضي، صعّدت الوزارة الإجراءات، وأرسلت بريدًا يطلب من الموظفين تقديم تقرير عن وقت عملهم في الأسبوع الماضي؛ حيث يعمل أكثر من 80 بالمئة من الموظفين الفيدراليين في مواقع حيوية عبر أنحاء البلاد. 

وحتى 13 شباط/ فبراير، كان أندرو ليننوكس، الجندي السابق في مشاة البحرية الأمريكية، يعمل في مستشفى تابع لشؤون المحاربين القدامى قبل أن يُقال بسبب "أدائه غير المناسب".

وتكشف حالة ليننوكس و واي أن قرارات وزارة الكفاءة الحكومية لا تعتمد على تقييم فردي للموظفين، بل تثير تساؤلات بشأن التناقض في استخدام مبرر "ضعف الأداء" للإقالات. فبينما لم يمضِ ليننوكس سوى شهرين في منصبه، ما حال دون تقييم أدائه بشكل دقيق، حصلت واي على تقييم "ممتاز" في كانون الثاني/ يناير الماضي، ما يناقض سبب إقالتها.

لم ترد وزارة الكفاءة الحكومية أو البيت الأبيض على استفسارات الصحيفة بشأن هذا التناقض. وفي الوقت ذاته؛ يزداد القلق بين الموظفين الفيدراليين في ظل تعسف وغموض خطة ماسك، فضلاً عن الهجمات المستمرة من ترامب على الجهاز الإداري، ما يؤثر سلبًا على معنويات العاملين في القطاع العام.

مخاوف من الانتقام
وتحدثت الصحيفة - خلال الأسابيع الماضية - إلى نحو 15 موظفًا في القطاع العام، أبدوا مخاوف من الانتقام نتيجة إجراءات التقليص. ورغم تفهمهم لبعض جوانب الخطة، إلا أنهم انتقدوا ما وصفوه بـ"الأساليب غير الإنسانية" و"الفوضى"، مؤكدين أنهم يعيشون حالة من القلق والخوف، مع شعور بالإحباط بسبب غياب اليقين حول مستقبلهم. وبعضهم يعاني من التوتر، في حين يواجه آخرون صعوبة في العثور على وظائف جديدة.

وتتسع المخاوف لتشمل تأثيرات القرارات العشوائية على مجالات حيوية مثل الدور العلمي للولايات المتحدة، والاستعداد لمواجهة الأوبئة، وأمن البلاد. على سبيل المثال، أدى فصل 300 موظف مسؤولين عن مراقبة الأسلحة النووية إلى حالة طوارئ، ما استدعى إعادة الموظفين بسرعة، لكن التواصل معهم تعثر بسبب إغلاق حسابات بريدهم الإلكتروني.

وأفادت الصحيفة بأن دوغ ويلسون، أحد الموظفين الذين تم إيقافهم عن العمل في خطوة يبدو أنها تهدف إلى إلغاء "مكتب حماية المستهلك المالي"، الذي أُنشئ عقب الأزمة المالية لعام 2008، حذر خلال احتجاج أمام مقر إحدى شركات ماسك في واشنطن من أنه "لا أحد يقوم منذ ثلاثة أسابيع بالمهام التي كان مكلفًا بها"، حيث إنه كان يقوم بالرقابة على التجاوزات المصرفية والمؤسسات المالية الأخرى بهدف منع تكرار أزمة اقتصادية مشابهة.

ضربة قاسية للمساعدات الإنسانية
وقالت الصحيفة إن برامج قطاع المساعدات الإنسانية تضررت بشكل كبير؛ فقد أمرت "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" موظفيها البالغ عددهم 2,200 بوقف جميع الأنشطة، ما أثر سلبًا على برامج حيوية في مناطق النزاع وقطع التمويل عن وسائل إعلام في أمريكا اللاتينية، كما أنه تم إنهاء عقود نحو 400 موظف في "إدارة الصحة العالمية" دون تعويض.

وأكدت ماريا أ. كاراسكو، إحدى الموظفات المفصولات، أن الوكالة لم تكن تعاني من "هدر مالي"، وانتقدت اتخاذ قرارات مصيرية دون استشارة المختصين. وأشارت إلى تقليص برنامج ختان الذكور الطوعي في موزمبيق، الذي أظهرت الأبحاث أنه يقلل من خطر انتقال فيروس نقص المناعة المكتسبة بنسبة 60 بالمئة.

وذكرت الصحيفة أن إيلون ماسك يواجه انتقادات واسعة بعد قراراته المثيرة للجدل بشأن تخفيض الإنفاق وتقليص نفوذ الهيئات الفيدرالية، فيما يروج حساب المديرية العامة للإدارة على منصة "إكس" لنجاحات تقليص الإنفاق عبر أمثلة مجتزأة. وفي مقابلة مع ترامب، حذر ماسك من أن الولايات المتحدة ستتحول إلى "بيروقراطية" إذا اعترضت الإدارات الحكومية على "إرادة الشعب".

وفي ظهور آخر داخل المكتب البيضاوي، اعترف ماسك بإمكانية وقوع "أخطاء" في عمليات التخفيض، لكنه نفى ادعاء فريق ترامب حول تخصيص 100 مليون دولار لشراء "واقيات ذكرية لغزة"، رغم تكرار ترامب للادعاء لاحقًا.

أخطاء.. وأكاذيب.. ومبالغات
وأشارت الصحيفة إلى أن تصريحات ماسك وفريقه تتخللها العديد من المبالغات والمعلومات الخاطئة. على سبيل المثال، زعموا أنهم وفروا 55 مليار دولار للخزانة الفيدرالية من خلال تقليص الموظفين وإلغاء العقود، لكن التحقيقات كشفت عن أخطاء جسيمة في الأرقام. أبرز هذه الأخطاء كان الادعاء بإلغاء عقد بقيمة 8 مليارات دولار، بينما كانت قيمته الحقيقية 8 ملايين دولار.

ورغم هذه العثرات، لا يزال ماسك يحظى بشعبية بين المناهضين للقطاع الحكومي في الولايات المتحدة وحول العالم. ففي مؤتمر سياسي للعمل المحافظ، استُقبل ماسك كـ"نجم"، وقدّم نفسه كرجل "عبقري للغاية" يتخلى عن رفاهيته "من أجل بلاده". ووصف الخبير الاقتصادي تشاك كولينز نهج ماسك بالتطهير الذي اتبعه بعد استحواذه على تويتر.

وبيّنت الصحيفة تراجع تأييد ترامب بعد بدء تجربته مع "تجارب وادي السيليكون"، حيث أظهرت استطلاعات الرأي انخفاضًا في شعبيته بعد شهر من فوزه، فقد كان قد بدأ ولايته الثانية بمعدلات تأييد تجاوزت الـ50 بالمئة، لكنها انخفضت إلى 45 بالمئة وفقًا لاستطلاع رأي من إبسوس. أما ماسك، فقد حصل على 34 بالمئة من التأييد لدوره الحكومي، وهو ما يعكس القلق من تأثير سياساته على تفكيك برامج حكومية أساسية.

وفي غياب الحزب الديمقراطي بعد هزيمته في تشرين الثاني/ نوفمبر، أصبح ماسك هدفًا رئيسيًا للانتقادات، متفوقًا حتى على ترامب؛ حيث تعرض للانتقادات من الحزب الديمقراطي ومنظمات الحقوق المدنية بسبب ما يُعتبر "استيلاء على السلطة". وشهدت الولايات المتحدة هذا الأسبوع عشرات التظاهرات احتجاجًا على هذه السياسات، ووصلت إلى ذروتها في يوم عيد الرؤساء، حيث تجمع المتظاهرون أمام مبنى الكابيتول مطالبين الكونغرس بالتدخل.

أزمة بيروقراطية ومعركة قضائية مفتوحة
ولفتت الصحيفة إلى أن أليسا تافتي، رئيسة فرع اتحاد موظفي الحكومة الفيدرالية، أكدت تصميمهم على مواجهة قرارات المديرية العامة للإدارة التي شملت فصل الموظفين قيد الاختبار وإلغاء الحماية الوظيفية، وهي الإجراءات التي تسببت في سلسلة من القضايا القانونية المتناقضة. وقد انضمت واي، الموظفة التي فُصلت يوم عيد الحب، إلى الدعاوى الجماعية، مؤكدة أن الفصل كان بدافع سياسي.

وفي الختام، قالت الصحيفة إن واي، إحدى الموظفات المسرّحات، تجد صعوبة في التكيف مع القطاع الخاص في منطقة واشنطن، بينما أشاد ترامب بماسك عبر منصته "تروث" داعيًا إياه ليكون أكثر شراسة، مؤكدًا أن "أمريكا لن تصبح عظيمة من جديد" تحت هذه السياسات.

للاطلاع على النص الأصلي (هنا)