ملفات وتقارير

هل تلاشت آمال اليمنيين في المجلس الرئاسي بعد فشله منذ 3 أعوام؟

شهدت عدد من المحافظات احتجاجات شعبية منددة بهذا التردي الكارثي للأوضاع المعيشية والقطاعات الخدمية وسط هتافات تطالب برحيل هذا المجلس- سبأ
تتلاشى آمال اليمنيين في مجلس القيادة الرئاسي الحاكم والمؤلف من 8 أعضاء برئاسة رشاد العليمي، على وقع الأزمات المتراكمة في القطاعات الخدمية وصولا إلى انهيار سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وفشل هذا المجلس في حلحلة أي من هذه الملفات، وسط اتهامات لجهات رسمية باستغلال الموارد السيادية للدولة ورفض توريدها إلى خزينة البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة، عدن، جنوب البلاد.

وتشير التقديرات الاقتصادية إلى أن الريال اليمني فقد نحو 1000 في المئة من قيمته أمام العملات الأجنبية منذ بدء الحرب عام 2015، حيث تجاوز سعره مؤخرا، حاجز الـ 350 ريالا لكل دولار أمريكي، الأمر الذي فاقم من معاناة المواطنين إلى حد لا يطاق.

وعلى وقع هذه الأزمات التي يصفها اليمنيون بالكارثية في مناطق سيطرة المجلس الرئاسي، شهدت عدد من المحافظات احتجاجات شعبية منددة بهذا التردي الكارثي للأوضاع المعيشية والقطاعات الخدمية، وسط هتافات تطالب برحيل هذا المجلس وعودة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى السلطة، والذي سبق أن تخلى عن منصبه بموجب ما يسمى "إعلان نقل السلطة" إلى المجلس الرئاسي في نيسان/ أبريل 2022.

وفي الأسابيع الماضية، توقفت محطات الكهرباء عن توليد الطاقة في مدينة عدن، العاصمة التي يتخذ منها مجلس القيادة الرئاسي مقرا له، بسبب نفاد الوقود، الأمر الذي أغرق المدينة الساحلية في الظلام لأيام، في سابقة خطيرة لم تشهدها عدن في تاريخها، وفق بيان صادر عن المؤسسة العامة للكهرباء (حكومية).


"مجلس يمثل مصالح متضاربة"
وفي السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي، أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي قبل عامين، لم يكن متسقاً مع البيئة الدستورية لليمن، فقد جاء كمحصلة انقلاب إقليمية على سلطة الرئيس المنتخب الفاشل، الذي لم يتصرف وفقاً للثقة الممنوحة له من الشعب وللمنسوب المرتفع من التأييد الشعبي الذي عبرت عنه انتخابات 21 شباط/ فبراير 2012.

وقال التميمي في حديث خاص لـ"عربي21" إن اليمنيين حينها شعروا ببعض الأمر المشوب بالحذر تجاه التغيير المفروض من الخارج، لكونه أُحيط بادعاءات حول الحسم بالسلم أو الحرب تجاه الحوثيين.

وأضاف: "لكن سرعان ما تحول مجلس القيادة الرئاسي إلى "بنية سلطوية عليا متصدعة تعكس طبيعة الشتات والتباين الذي يهيمن على قوى الأمر الواقع التي يتشكل منها وتمثل نصف عدد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي تقريباً".

ومن الواضح  وفقا للكاتب اليمني أن المجلس جاء "ليمثل المصالح المتضاربة لدولتي التحالف (السعودية والإمارات)" وبدا أنه "يعكس رغبة إقليمية لتعطيل قيادة السلطة الشرعية، وإحداث أكبر قدر من الشلل في المعسكر الوطني الذي يكافح من أجل استعادة الدولة والمواجهة المسلحة مع جماعة الحوثي".

وتابع الكاتب التميمي : "لقد كان الضغط الأمريكي في بداية حكم الرئيس الديمقراطي جو بايدن حاسماً لجهة إضعاف موقف قائدة التحالف (السعودية) في اليمن، والتي سارعت إلى تحصين دورها من خلال السيطرة شبه المطلقة على القرار السيادي وتبني خيار التضحية بالأهداف النبيلة للتحالف والذهاب إلى التحاور الثنائي مع الحوثيين".

وأكد أن هذا الأمر استتبعته عدة إجراءات منها "تعطيل الموارد السيادية وعدم ممارسة أي ضغط لتوحيد القوى العسكرية، وتعمد إبقاء الوضع على ما هو عليه من الفرقة والشتات والصراع"، مع "إفساح المجال للمشروع الانفصالي للاستمرار في تعطيل قوى الدولة اليمنية والحد من قدرتها على النهوض بواجباتها الدستورية السياسية والاقتصادية والعسكرية".


"فاقد الشيء لا يعطيه"
 من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء والقيادي بحزب المؤتمر الشعبي العام، عادل الشجاع، إن فاقد الشيء لا يعطيه.. ومجلس القيادة فاقد للقرار فكيف نتوقع منه أن يقدم شيئا وهو مسلوب الإرادة".

وقال الشجاع في حديثه لـ"عربي21"، إن مجلس القيادة أسس على أساس إطالة أمد الفوضى وتوسيع فجوة الخلافات بين القوى والمكونات السياسية المختلفة أصلا على أبسط القضايا الوطنية والتي تتعلق بالوحدة الوطنية واستعادة الدولة والتعددية السياسية"، و"لذلك يحاول كل طرف من الأطراف المكونة للمجلس إعاقة الإصلاحات والخدمات الأساسية للمواطن".

 ومن هذا المنطلق يؤكد الأكاديمي اليمني أن الشرعية أصبحت بلافتتها الرئيسية غير متشجعة على تحقيق الخدمات الأساسية لكي لا تحسب لصالح المجلس الانتقالي ( كيان انفصالي)، فيما الانتقالي يعطل هذه الخدمات حتى لا تحسب لصالح الشرعية... وجميع الأطراف حولت الدخل الوطني إلى دخل خاص ما أثر على خزينة الدولة وعلى سعر العملة الوطنية".

وأضاف القيادي في حزب المؤتمر الحاكم سابقا أنه منذ أن تشكل المجلس وهو "يعيش على خلافات دول التحالف التي عكست نفسها على المجلس ذاته وعلى الوضع العام داخل البلد"، مشيرا إلى أن "طبيعة تكوين المجلس خلقت الانقسام وعززت الفوضى والهزيمة للشرعية ذاتها".

وأردف قائلا: "فكل هذه الانتكاسات لم تكن جماعة الحوثي وراءها بقدر ما كانت عوامل ذاتية ناتجة عن الصراع داخل المجلس".

أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، أوضح أيضا أن هذا المجلس شكل بالتقاسم بين السعودية والإمارات وهو "يمثل مصالح البلدين وصراعاتهما ولا يمثل مصالح الشعب اليمني".

وتعليقا على الأصوات المطالبة بعودة الرئيس السابق هادي إلى السلطة، اعتبر الأكاديمي اليمني أن عودة هادي "ليست هي الحل" لأن هادي هو السبب الرئيسي في هذه الانهيارات.


لكن الشجاع رأى أنه "يمكن القول بأن يعود هادي في قرار التفويض وتحويله إلى نائب متوافق عليه يقود المرحلة حتى الانتخابات العامة مع تحديد فترة مزمنة لهذه الفترة"، لافتا إلى أن هذا الأمر لن يتم ما لم "تتفق الأطراف الإقليمية على الحل في اليمن أو تتشكل قوى وطنية عابرة للأحزاب تمثل القرار الوطني".

وأدت أزمة شبكة الكهرباء إلى تزايد الغضب الشعبي والاحتجاجات المنددة بذلك، إذ شهدت مناطق مختلفة من عدن منتصف العام الماضي احتجاجات وخروج الناس إلى الشوارع تنديدا بتدهور الخدمات العامة ومنها الكهرباء.

وأضرم المحتجون حينئذ، النيران في إطارات السيارات، وأغلقوا عددا من الشوارع، احتجاجا على حالة التردي المتواصل للأوضاع المعيشية والخدمات العامة، في عجز حكومي عن حل هذه المعضلة.

وفي وقت سابق من فبراير/ شباط الجاري، ومع بلوغ انهيار الريال اليمني ذروته، اتهم البنك المركزي اليمني في عدن، جهات حكومية (لم يسمها) بـ"تعطيل الاستفادة من موارد سيادية هامة كانت تسهم في توفير الحد الأدنى من الخدمات، وتعطيل التعامل مع ما هو  متاح من موارد بالطريقة التي تواكب التحديات وتعالج الالتزامات بحسب أهميتها وأولوياتها".

وفي بيان له، عبر البنك المركزي عن أسفه "لعدم استجابة الجهات الحكومية المعنية للعديد من المعالجات اللازمة لتقليل الآثار الناجمة عن اعتداءات جماعة الحوثي المصنفة إرهابية على القطاعات الإرادية للدولة".

ودعا "المركزي اليمني"، مجلس القيادة الرئاسي والحكومة إلى "توفير الإسناد اللازم له للقيام بواجباته بكل مهنية واستقلالية، وحماية العملة الوطنية والعمل على استقرارها، وإعادة توجيه جميع الإيرادات إلى حساب الحكومة العام في البنك المركزي دون تخصيص، لتتم إعادة تخطيط الإنفاق واستخدام المتاح من الموارد للتمويل الحتمي من الالتزامات وبحسب الأولويات".