سياسة عربية

بحث موسع يستطلع آراء أهل قطاع غزة وكيف يرون مستقبلهم؟

أظهر البحث أن الفلسطينيين يتمسكون الآن بهويتهم الوطنية بشكل أقوى- جيتي
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للباحث في مجموعة أبحاث "XCEPT" في جامعة كينغز كوليدج لندن، قال فيه؛ إن لدى الغالبية العظمى من الناس في قطاع غزة الآن التزام قوي بكونهم فلسطينيين، وبتحقيق السيادة الوطنية، وحق اللاجئين في العودة إلى مدنهم وقراهم الأصلية التي هُجّروا منها عام 1948.

فبعد أن اقتربت الهدنة بين حماس و"إسرائيل" من الانهيار، وعادت مرة أخرى إلى مسارها الهش قبل أيام قليلة فقط، هدد نزاع متصاعد الاتفاق بعد أن أعرب كل من الجانبين عن إحباطه إزاء وفاء الطرف الآخر بالتزاماته. 

وأدى اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير، بإعادة توطين سكان غزة البالغ عددهم مليوني فلسطيني في دول أخرى، إلى زعزعة الهدنة.

وجاء في المقال أن الاضطرابات التي شهدها وقف إطلاق النار الذي مضى عليه شهر، تكشف عن حالة من عدم اليقين السياسي الأعمق؛ فبعد 15 شهرا من القتال، لا يوجد رؤية واضحة لما سيأتي بعد ذلك، ومن الذي ينبغي أن يحكم غزة ويعيد بناءها؟ وكيف ستكون علاقتها المستقبلية بـ"إسرائيل"؟

وأضاف أن "الاستماع إلى وجهات نظر الناس العاديين أمر بالغ الأهمية للإجابة على هذه الأسئلة، وبصفتنا علماء سلوكيين في كلية لندن للاقتصاد، أجرينا أنا وجيريمي غينغز دراسة واسعة النطاق حول كيفية نظر الفلسطينيين في غزة والإسرائيليين بعضهم إلى بعض، والمستقبل، وقبل أيام قليلة من الإعلان عن وقف إطلاق النار في كانون الثاني/ يناير، أجرينا استطلاع رأي لأكثر من 1400 شخص في عينات تمثل البلاد".

وأوضح أن "القيود المستمرة على الوصول والصراع، تعني أن الرأي العام في غزة نادرا ما تتم مناقشته، وكان جمع البيانات لدينا جزءا من المقابلات الشخصية التي قادتها شركة أرتيس الدولية والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (PSR) مع البنية التحتية الحالية لاستطلاعات الرأي. بالإضافة إلى ذلك، تحدثنا إلى العديد من الفلسطينيين في غزة خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، عبر مكالمات هاتفية عبر الإنترنت قبل عدة أسابيع".

وأكد أنه "من بين النتائج الأكثر لفتا للانتباه في بحثنا، كيف أدى التباين النفسي العميق بين تصورات كل جانب للصراع إلى ترسيخ الانقسامات، وفي غزة، وعلى الرغم من 16 شهرا من الصراع المدمر والنزوح -في حالات بعض أولئك الذين استطلعنا آراءهم ما يصل إلى 10 مرات-، أعطت القناعات السياسية الأولوية لدى العديد من الفلسطينيين، حتى على السلامة الشخصية المباشرة، طُلب من المستجيبين الإشارة إلى مدى اعتبارهم للقيم المختلفة جزءا من هويتهم الشخصية".

وكشف المقال أن "الفلسطينيين يتمسكون الآن بهويتهم الوطنية بشكل أقوى مقارنة بالبيانات التي جمعناها في أيار/ مايو 2024، وتشير الغالبية العظمى من الناس في غزة الآن، إلى التزام قوي بكونهم فلسطينيين (94 بالمئة)، وتحقيق السيادة الوطنية (86 بالمئة)، وحق اللاجئين في العودة إلى مدنهم وقراهم الأصلية التي فقدوها في أثناء إنشاء إسرائيل في عام 1948 (90 بالمئة). حتى إن مجموعة أصغر، لكنها لا تزال أكثر من ربع السكان، رأت أن هذه القيم مركزية تماما لهويتهم، وهي مؤشر على التضحية والعنف الشديدين، كما كتب سكوت أتران وأنخيل غوميز. 

وأضاف أن "حوالي واحد من كل أربعة أشخاص في غزة يتماهون تماما مع الأفكار المتطرفة للشريعة الإسلامية والمعارضة الشديدة للسلام مع إسرائيل، وبما أن عددا أقل من الفلسطينيين في غزة يعتبرون الحرب التحدي الأكثر إلحاحا بالنسبة للفلسطينيين، وهو الاتجاه الذي أظهره استطلاع رأي أجراه مركز البحوث السياسية والمسؤولية الاجتماعية مؤخرا، فإن الهويات السياسية الأخرى تعود إلى الواجهة".

وأشار إلى أنه "لكي نفهم بشكل أفضل المنظور الحالي للفلسطينيين في غزة، قمنا بفحص تفسيرهم للصراع حتى الآن، وسألنا لماذا أيد أعضاء مجموعتهم العنف في أثناء الحرب، ولماذا يعتقدون أن الجانب الآخر يدعمه؟ وظهر نمط مذهل: فقد عزا كل من الإسرائيليين والفلسطينيين هجمات جانبهم إلى حب المجموعة الداخلية (الاهتمام بشعبهم وحمايته،) أكثر من كراهية المجموعة الخارجية (الرغبة في إيذاء الجانب الآخر). ومع ذلك، اعتقدت كلتا المجموعتين أن الجانب الآخر كان مدفوعا بالكراهية أكثر".

وبين المقال أن "فجوة الإدراك هذه مهمة، إذ تظهر الأبحاث أنه عندما يعتقد الناس أنهم مكروهون من قبل مجموعة أخرى، فإنهم يصبحون أقل ميلا إلى دعم الحلول الدبلوماسية. وتؤكد بياناتنا هذا، وعندما يتعلق الأمر بالمستقبل السياسي الطويل الأجل في غزة، يظل أقل بقليل من نصف الفلسطينيين (48 بالمئة) مؤيدين لشكل ما من أشكال حل الدولتين. وقال آخرون؛ إن السيناريوهات الأكثر واقعية لإنهاء الصراع، تنطوي على تهجير اليهود من المنطقة (20 بالمئة)، أو إنشاء دولة واحدة تحت قانون الشريعة (27 بالمئة)، حيث يتمتع اليهود بحقوق أقل، وفقط 5 بالمئة يعتقدون بدولة واحدة، حيث يتعايش الطرفان بحقوق متساوية".

وطرح المقال تساؤلا: "كيف - ومع من كقادة - يتصور الناس في غزة تحقيق أهدافهم؟ قد تبدو حماس التي حكمت المنطقة منذ عام 2007 وتتجذر في فكرة الأمة الفلسطينية الإسلامية، المنافس الطبيعي. ولكن، وفقا لاستطلاعات الرأي التي أجراها مركز أبحاث السياسات الاجتماعية، انخفض دعم حماس من 42 بالمئة بعد فترة وجيزة من 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى 21 بالمئة فقط في كانون الثاني/ يناير 2025، وفي الواقع، مع انتقاد أداء حماس في زمن الحرب بشكل متزايد، يرى عدد أقل من الناس في غزة أنها منتصرة أو يؤيدون الهجمات ضد إسرائيل. جنبا إلى جنب مع تفضيل العديد من الفلسطينيين لرؤى أكثر تصالحية في المقام الأول، فهذا خبر جيد لجهود السلام".

ومع ذلك، إذا أجريت انتخابات، يقول العديد من الفلسطينيين إنهم سيصوتون لحماس، والسبب أنه لم يستغل أي بديل قابل للتطبيق تراجع حماس، وتعتبر فتح، الحزب الحاكم في الضفة الغربية والقوة المهيمنة في منظمة التحرير الفلسطينية، ضعيفة وغير شرعية على نطاق واسع، كما أكد الأشخاص الذين شاركوا في البحث. 

ولكن في غزة، هناك سبب آخر، فمرة أخرى، أدت "تصورات الكراهية الخارجية إلى خفض كبير في تأييد منظمة التحرير الفلسطينية، التي تقف وراء نهج أكثر دبلوماسية تجاه إسرائيل، وقد اكتسبت شخصيات سياسية أخرى شعبية، ولكن لم تتجمع أي حركة حولها، وبدلا من ذلك، فإن 32 بالمئة من الفلسطينيين الذين يقولون؛ إن مصالحهم غير ممثلة على الإطلاق في كل الخيارات المتاحة، يشكلون الآن أكبر دائرة انتخابية في غزة".

وفي غياب قيادة واضحة، يظل مستقبل غزة بعد الحرب غير محسوم. ولكن هناك سبب للأمل. فمن ناحية، يشعر أكثر من 90 بالمئة من الناس في غزة بالتفاؤل بشأن الآفاق الطويلة الأجل للهدنة أو السلام. 

وجاء في المقال: "قد تتغير تصورات الكراهية الخارجية بمرور الوقت، كما تشير بياناتنا، أو يتم تصحيحها، وفقا للدراسات التجريبية. ورغم صعوبة ذلك، فإنه قد يعزز الدعم للدبلوماسية والمصالحة. أما بالنسبة للسياسات الملموسة، فإن الأشخاص الذين استطلعنا آراءهم في غزة، منفتحون بشكل متزايد على بعض البدائل، مثل الوجود الأمني المؤقت وإعادة الإعمار التي تيسرها مصر".

وبعد الانزلاق إلى الحرب مرة أخرى تقريبا، تدخل "إسرائيل" وحماس الآن جولة جديدة هشة من مفاوضات وقف إطلاق النار. ولكن التحدي الحقيقي، يكمن في إيجاد زعماء على الجانبين قادرين ليس فقط على تمثيل المصالح السياسية لشعبهم، بل وأيضا على سد الفجوة النفسية التي تعوق السلام الدائم.