تحتوي الثقوب السوداء التقليدية، كما تنبأت بها نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين، على ما يُعرف بنقاط التفرد، أي النقاط التي تنهار عندها قوانين الفيزياء. إن تحديد كيفية حل التفردات في سياق الجاذبية الكمومية هو أحد المشاكل الأساسية في الفيزياء النظرية.
الآن، وصف فريق من الخبراء من معهد علوم الكون بجامعة برشلونة (ICCUB) لأول مرة كيف تنشأ ثقوب سوداء منتظمة من تأثيرات الجاذبية ودون الحاجة إلى وجود مادة غريبة تتطلبها بعض النماذج السابقة.
وحسب تقرير نشره موقع "phys.org" وترجمته "عربي21"، فإن هذا الاكتشاف الذي نُشر في مجلة Physics Letters B، يفتح آفاقا جديدة لتحسين فهمنا للطبيعة الكمومية للجاذبية والبنية الحقيقية للزمكان.
يشير مصطلح المادة الغريبة إلى نوع من المادة التي تتمتع بخصائص غير عادية لا توجد في المادة العادية. غالبا ما يكون لها كثافة طاقة سلبية، وتخلق تأثيرات جاذبية منفرة، ويمكنها انتهاك شروط طاقة معينة في النسبية العامة.
المادة الغريبة نظرية إلى حد كبير ولم يتم رصدها في الطبيعة، ولكنها تستخدم في نماذج لاستكشاف مفاهيم مثل الثقوب الدودية والسفر بسرعة أكبر من الضوء وحل تفردات الثقوب السوداء.
تثبت الدراسة الجديدة رياضيا أن سلسلة لا نهائية من التصحيحات الجاذبية ذات الدرجة الأعلى يمكن أن تقضي على هذه التفردات وتؤدي إلى ما يسمى بالثقوب السوداء العادية.
على عكس النماذج السابقة، التي تطلبت مادة غريبة، تكشف هذه الدراسة الجديدة أن الجاذبية الخالصة - بدون حقول مادة إضافية - يمكن أن تولد ثقوبا سوداء منتظمة بدون تفردات.
يمثل هذا الاكتشاف انحرافا كبيرا عن النظريات السابقة ويبسط الشروط اللازمة للثقوب السوداء المنتظمة.
يقول الباحث بابلو كانو من قسم الفيزياء الكمومية والفيزياء الفلكية بكلية الفيزياء و"ICCUB"، إن "جمال بنائنا هو أنه يعتمد فقط على تعديلات معادلات أينشتاين التي تنبأت بها الجاذبية الكمومية بشكل طبيعي. ولا نحتاج إلى مكونات أخرى".
ويلفت التقرير إلى أن النظريات التي نشرها فريق ICCUB قابلة للتطبيق على أي بُعد من أبعاد الزمكان أكبر من أو يساوي خمسة. ويقول كانو إن "السبب وراء النظر في أبعاد الزمكان الأعلى هو سبب فني بحت، لأنه يسمح لنا بتقليل التعقيد الرياضي للمشكلة".
ومع ذلك، يوضح الباحثون أن "نفس الاستنتاجات يجب أن تنطبق على الزمكان الرباعي الأبعاد".
وأضاف روبي هانيغار من جامعة برشلونة: "يتفق معظم
العلماء على أن تفردات النسبية العامة يجب حلها في النهاية، على الرغم من أننا لا نعرف سوى القليل عن كيفية تحقيق هذه العملية. يوفر عملنا أول آلية لتحقيق ذلك بطريقة قوية، وإن كان ذلك في ظل افتراضات تماثل معينة".
وأشار هينيغار إلى أنه "لم يتضح بعد كيف تمنع الطبيعة تكوين التفردات في الكون، لكننا نأمل أن يساعدنا نموذجنا في اكتساب فهم أفضل لهذه العملية".
تستكشف الدراسة أيضا الخصائص الديناميكية الحرارية لهذه الثقوب السوداء المنتظمة وتكشف أنها تتوافق مع القانون الأول للديناميكا الحرارية. توفر النظريات التي تم تطويرها إطارا قويا لفهم الديناميكا الحرارية للثقوب السوداء بطريقة شاملة تماما ولا لبس فيها. يضيف هذا الاتساق مصداقية وإمكانية تطبيق النتائج.