ملفات وتقارير

ما خيارات دمشق أمام توجه جيش الاحتلال لبقاء "طويل الأمد" في سوريا؟

الاحتلال أعلن في كانون الأول/ديسمبر 2024 انسحابه من اتفاقية "فصل القوات" مع سوريا - جيتي
زاد توجه جيش الاحتلال الإسرائيلي لبقاء طويل الأمد في المناطق السورية التي تقدم إليها بعد سقوط نظام الأسد، حجم الضغط على الإدارة السورية الجديدة، التي تعيش تحديات عديدة بعد تسلمها السلطة في البلاد.

وكانت إذاعة الجيش قد أكدت أن الاحتلال أقام بهدوء شديد منطقة أمنية داخل الأراضي السورية، مضيفة أن وجود الاحتلال في سوريا "لم يعد مؤقتا حيث يتم بناء 9 مواقع عسكرية بالمنطقة الأمنية، وتعمل هناك 3 ألوية مقارنة بكتيبة ونصف الكتيبة قبل 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023"، موضحة أن "الجيش يخطط للبقاء بسوريا طيلة عام 2025".

تزامناً، أكدت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدعم احتلال المنطقة العازلة في سوريا لسنوات قادمة.

ومنذ سقوط النظام، كثف جيش الاحتلال ضرباته الجوية، وتحركاته في المنطقة العازلة (منزوعة السلاح) في الجولان السوري المحتل، مستفيداً من انشغال الإدارة السورية الجديدة بفرض الأمن وبسط سيادتها على البلاد.

ولم تعلق الخارجية السورية على التقارير السابقة، وكذلك لم يتسن لـ"عربي21" الحصول على توضيحات من الحكومة السورية، بعد أن امتنعت أكثر من جهة رسمية عن الرد.

وسبق أن أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع، استعداد بلاده لاستقبال قوات تابعة للأمم المتحدة في المنطقة العازلة المشتركة مع "إسرائيل"، معتبراً أن "غياب الميليشيات الإيرانية وحزب الله في المنطقة ينهي المبررات التي استخدمتها إسرائيل للتقدم فيها".

وأكد أن تقدم "إسرائيل" في المنطقة استند إلى حجج تتعلق بوجود ميليشيات إيرانية وحزب الله، وقال: "لكن بعد تحرير دمشق، لم يعد لهذه الحجج أي أساس".

دمشق أمام معضلة
وعن خيارات الحكومة السورية للتعامل مع خطط جيش الاحتلال، يقول مدير قسم تحليل السياسات في "مركز حرمون للدراسات المعاصرة" الأكاديمي سمير العبد الله، إن هذا الوضع يمثل واحداً من التحديات الاستراتيجية أمام الحكومة السورية الجديدة.

ويوضح لـ"عربي21" أن "دمشق تجد نفسها أمام معضلة التعامل مع التدخلات الإسرائيلية في ظل واقع إقليمي ودولي معقد، ورغم أن الخيارات المتاحة تبدو محدودة، إلا أن هناك عدة مسارات يمكن تبنيها، أهمها المسار السياسي والدبلوماسي الذي يتيح لها إمكانية اللجوء إلى المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لتقديم شكاوى رسمية بشأن الانتهاكات الإسرائيلية".

وإذ اعتبر العبد الله أنه "رغم أن هذه الخطوة قد لا تؤدي إلى نتائج فورية"، قال: "لكنها تُشكل جزئية من استراتيجية أوسع تهدف إلى كسب شرعية دبلوماسية وتحقيق ضغط دولي على إسرائيل من خلال تفعيل القرارات الأممية المتعلقة بسوريا، والتي لم تجد طريقها للتنفيذ خلال السنوات الماضية".

ويرى الباحث أن الخيار الأكثر واقعية وأمانا هو توظيف القنوات الدبلوماسية والاستفادة من علاقات بعض الدول الإقليمية التي تحتفظ بعلاقات مع إسرائيل، مثل روسيا أو بعض الدول العربية، للعب دور الوسيط في نقل الرسائل وتخفيف حدة التوتر.

واعتبر أن اعتماد هذا النهج قد يمنح الحكومة السورية فرصة لإعادة التموضع دبلوماسيا وتحقيق مكاسب سياسية دون الانجرار إلى مواجهة عسكرية غير مضمونة العواقب، في ظل هذه المعادلة.

وختم العبد الله بقوله: "يبدو أن الاستراتيجية الأكثر حكمة تكمن في الجمع بين الضغط الدبلوماسي وتوظيف الوساطات الإقليمية، مع تجنب الدخول في صدامات مباشرة قد تؤدي إلى نتائج عكسية لا تصب في مصلحة الاستقرار السوري على المدى البعيد".

ومن الواضح، أن دمشق ليست مستعدة حالياً للدخول في مواجهة عسكرية جديدة، ويتفق مع ذلك الباحث في مركز "الحوار السوري" الأكاديمي أحمد القربي، ويقول لـ"عربي21": "كل المؤشرات تؤكد أن حكومة سوريا تتجنب استخدام الوسائل الخشنة للتعامل مع الوجود الإسرائيلي في سوريا".

وأضاف لـ"عربي21" أن "سوريا الدولة المدمرة ليست على استعداد للدخول في مواجهة قد تؤثر على الدولة والإدارة الجديدة".

خيار المقاومة؟
وبحسب القربي، فإن لجوء الحكومة السورية إلى الخيار الأمني أو خيار المقاومة كذلك يبدو مستبعداً، معتبراً أن "من غير الوارد توجه دمشق نحو تشكيل مجموعات مقاومة في المناطق المحتلة، لأن ذلك قد يجر سوريا أيضاً إلى مواجهة عسكرية".

بذلك، يبدو أن الأداة شبه الوحيدة المتاحة أمام دمشق هي "العمل السياسي"، وفق الباحث، الذي أضاف: "صرح الرئيس السوري بأن حجج الاحتلال للتمدد في سوريا غير مبررة، وبالتالي تمارس الإدارة أداة الضغط السياسي على الاحتلال".

وثمة خيارات أخرى أمام الحكومة السورية، وهي اللجوء للمحاكم الدولية، كما يؤكد القربي، مضيفاً أنه قد يتعين على دمشق العمل على رفع دعاوى أمام المحاكم الدولية، لدفع الاحتلال إلى الالتزام بالاتفاقيات الدولية "اتفاق فض الاشتباك".

وكان الاحتلال قد أعلن في كانون الأول/ديسمبر 2024، انسحابه من اتفاقية "فصل القوات" مع سوريا، بعد أن تقدمت قواته إلى منطقة جبل الشيخ والمنطقة العازلة بين البلدين، بعد سقوط نظام الأسد.

يذكر أن اتفاقية "فض الاشتباك" وقعت عام 1974، بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وهدفت إلى الفصل بين القوات المتحاربة من الجانبين وفك الاشتباك بينهما.