لعلي ممن
يعتبرون أن تحرير
سوريا قد تم بمعية الله، حيث تم بشكل لا يمكن تصوره أو توقعه بالطريقة
التي تم بها، وكل
ثورة تواجه ثورتين كأمر طبيعي وقد ذقنا مرارتهما في
مصر بعد ثورة
يناير، وهما أولا: الثورة المضادة يديرها من قامت عليهم الثورة ومؤيدوهم وأصحاب المصالح
المتضررة وكل الدولة العميقة وبقايا النظام القديم، وهذا الأمر لا بد من مواجهته بالعقل
والحكمة والوعي والحسم السريع في الوقت نفسه. ثانيا، ثورة التوقعات، وتلك هي الأخطر؛ لأن أصحابها هم المحرومون، من الشعب الذي حُرم من حقوقه لسنوات طويلة، فيجد في الثورة
فرصة لحريته وطلباته واحتياجاته الكثيرة المتعددة، فيبدو كأنه خرج من نعيم السلطة السابقة
إلى جحيم الإدارة الجديدة، وهذا يحتاج بجانب الحكمة والصبر سعيا كبيرا لمحاولة إشباع
احتياجات الناس الأساسية، دون الرضوخ لتنفيذ ما لا يمكن تنفيذه ولا الإمكانات تسمح به.
والدروس
التي يمكن أن يتعلمها الإخوان المسلمون وكل الطيف الوطني المصري من تطورات الصراع في
"تحرير سيناريو الصراع السوري"، في إشارة إلى الثورة السورية والمواجهات
ضد نظام الأسد منذ 2011، تعتمد على قراءة الأحداث ونتائجها المعقدة، التي تشمل تدخلات
إقليمية ودولية وعوامل داخلية. وهنا نناقش معا بعض
الدروس المهمة:
الدروس التي يمكن أن يتعلمها الإخوان المسلمون وكل الطيف الوطني المصري من تطورات الصراع في "تحرير سيناريو الصراع السوري"، في إشارة إلى الثورة السورية والمواجهات ضد نظام الأسد منذ 2011، تعتمد على قراءة الأحداث ونتائجها المعقدة، التي تشمل تدخلات إقليمية ودولية وعوامل داخلية.
1- خطر
التشرذم وغياب الوحدة الثورية
- أحد
أسباب فشل المعارضة السورية في تحقيق أهدافها، كان الانقسام الحاد بين الفصائل الإسلامية
والعلمانية، المدعومة من دول مختلفة).
- الدرس:
الوحدة التنظيمية والاستراتيجية بين القوى المعارضة، ضرورية لمواجهة نظام قوي مدعوم
إقليميا ودوليا، بغير ذلك ستمر سنون والجميع يناوش الجميع بعيدا عن المستهدف.
2- التدخل
الخارجي سلاح ذو حدين
- اعتماد
بعض فصائل المعارضة على دعم خارجي (تركيا، الخليج، الغرب)، خلق تبعية وأضعف شرعيتها
الشعبية، خاصة مع تناقض أجندات الداعمين.
-
وهذا يمهد بل يؤكد أن التحالفات الخارجية يجب أن تُدار بحذر، لضمان عدم فقدان الاستقلالية
أو تحويل الصراع إلى وكالة لمصالح أجنبية؛ فالقضية مصرية خالصة لن تحقق هدفها لو تلونت
بغير حقيقتها
3- خطورة
العسكرة المفرطة دون استراتيجية سياسية
- تحول
الثورة السورية من حركة احتجاجية
سلمية إلى صراع مسلح بفعل عنف النظام وأطراف أجنبية، أدى إلى تدمير البنية الاجتماعية، وتصاعد التطرف، وتشويه صورة الثورة دوليا.
-
ورغم أن هذا لا يناسب الحالة المصرية رغم العنف الذي مورس ضد الثوار في الشوارع والمساجد
والسجون، وهنا تظهر عبقرية الشعار في وقتها "سلميتنا أقوى من الرصاص"، لكن
لا بد من العلم بأن الجمع بين المقاومة الخشنة والدبلوماسية السياسية ضروري، مع الحفاظ
على الخطاب المعتدل لجذب التعاطف الدولي.
4- القمع
الأمني قد يضعف الثورة لكنه لا يقتل روحها
- نظام
الأسد استخدم القوة المفرطة (مثل مجازر حماة وحمص وحلب)، لكن ذلك لم يُنهِ الثورة،
بل زاد من شراسة المقاومة.
-
وهذا رغم تكراره بغباء في بعض المواقف بشكل أقل في مصر اعتمادا لفكرة الردع الذي يخيف
الناس، لكنه زاد أهل الثورة إصرارا على
التغيير، لذا فالصمود التنظيمي والقدرة على
إعادة البناء رغم القمع هي مفتاح الاستمرارية، مع تجنب التكرار في السياسات والتكتيكات
الفاشلة المجربة من قبل.
5- أهمية
الحاضنة الشعبية والخدمات الاجتماعية
- في المناطق
التي سيطرت عليها المعارضة، مثل إدلب، كانت الفصائل الأكثر نجاحا هي تلك التي وفرت
خدمات أساسية (مستشفيات، مدارس) للحاضنة الشعبية، بل وقد مكنها هذا من تصدير خبراتها
للدولة الأم فيما بعد.
-وهذا
يؤكد نهج الإخوان في بناء شرعيتهم عبر الخدمات اليومية، التي يمكن بها كسب التأييد
الشعبي أكثر من الخطاب الأيديولوجي المجرد.
6- التحديات
الأيدولوجية والهوية
- ظهور
جماعات متطرفة (مثل داعش) شوّه صورة الثورة السورية، وأعطى النظام ذريعة لقمع المعارضة
تحت مسمى "مكافحة الإرهاب". والكل يعلم من أنشأ هذه التنظيمات المتطرفة التي
لم تقتل عدوا، بل كل قتلاها من "المسلمين المرتدين"، وجعلها مسمار جحا في كل
مكان أراد لأصحابها والنظم الفاشية الوصول إليه أو البقاء فيه.
- وهنا، مع كل الحذر، يجب الفصل الواضح بين الخطاب الإسلامي المعتدل والمتطرف، مع تعزيز الهوية
الوطنية الجامعة لتجنب الاستقطاب الطائفي.
7- الدور
الإعلامي وحرب السرديات
- نجاح
نظام الأسد في تصوير المعارضة كـ"إرهابيين" عبر الإعلام الدولي، مما أضعف
موقف الثوار لفترات طويلة، وحتى الآن المغرضون لا يذكرون أحمد الشرع إلا "أبو
محمد الجولاني"؛ إمعانا في تشويه الصورة الذهنية.
-
وهنا لا بد أن ندرك أهمية الإعلام وضرورة استثمار الموارد البشرية والمادية في الإعلام
الدولي والمحلي لنقل الرواية الحقيقية للصراع، وكسب التعاطف المحلي والعالمي.
8- الواقعية
السياسية مقابل المثالية الثورية
- لعل
هذا اتضح أكثر بعد وحدة الفصائل وممارسة دور سياسي بامتياز خاصة في إدلب ومن ثم بعد
التحرير الكامل لسوريا. ولعل الحوار مع الاستعداد للحسم العسكري، تكون له الأولوية في
إنهاء مشكلة قسد المدعومة أمريكيا وصهيونيا في شمال شرق سوريا.
-
وهنا، لا بد أن ندرك لكل مقام مقال ولكل حال مآل، فالمرونة في التفاوض وقراءة موازين
القوى قد تحقق مكاسب جزئية بدلا من خسارة كل شيء.
9- التكيف
مع التحولات الجيوسياسية
- التدخل
العسكري الروسي المباشر عام 2015 غيّر مسار الحرب لصالح النظام، مع الدعم الإيراني
المباشر وقتها، مما يُظهر أهمية قراءة الخارطة الجيوسياسية وتأثير القوى العظمى.
-
لهذا، لا يمكن فصل الصراع الداخلي عن الصراعات الإقليمية والدولية؛ مع ضرورة تطوير استراتيجيات
تتكيف مع هذه الديناميكيات في الإقليم والعالم.
لا يمكن الاعتماد على الضمير الدولي، بل القوة الذاتية والحلول المحلية هي الضمانة الوحيدة.
10- دور
المجتمع الدولي بين الوهم والواقع
- الاعتماد
على وعود المجتمع الدولي (مثل قرار تدخل أمريكا في عهد أوباما بعد مذبحة الغوطة واستعمال الكيماوي،
ثم التخلي ببساطة عن ذلك لمصالح أخرى)، فقد تبين أنه وهمي، حيث لم تتحرك القوى الكبرى
لوقف مجازر النظام.
-
وهنا، نعيد التأكيد أنه لا يمكن الاعتماد على الضمير الدولي، بل القوة الذاتية والحلول
المحلية هي الضمانة الوحيدة.
الخلاصة:
تجربة
الصراع السوري تُظهر أن النجاح في مواجهة الأنظمة الاستبدادية يتطلب توازنا دقيقا بين:
-
الوحدة الداخلية والمرونة السياسية.
-
المقاومة المسلحة والدبلوماسية.
- بناء
الشرعية الشعبية عبر الخدمات لا الأيديولوجيا.
- تجنب
الاستقطاب الطائفي أو التطرف.