نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرًا تناولت فيه قرار
السلطة الفلسطينية وقف دفع المخصصات المالية لعائلات
الأسرى والشهداء الفلسطينيين، في خطوة اعتُبرت محاولة لاستمالة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتأمين مساعدات مالية خارجية.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن الولايات المتحدة و"إسرائيل" أدانتا مرارًا هذه المدفوعات التي كانت تُمنح لعائلات الفلسطينيين المعتقلين أو الذين قُتلوا على يد "إسرائيل"، بمن فيهم المتورطون في هجمات مسلحة.
وتنظر واشنطن وتل أبيب إلى هذه المخصصات المالية على أنها "تشجيع على العنف"، وقد ضغطتا باستمرار على السلطة الفلسطينية لوقفها.
تحوّل جوهري
مساء الاثنين الماضي، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسومًا يعيد هيكلة آلية الدعم المالي، لينهي بذلك واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل على الساحة السياسية الفلسطينية.
وحسب الصحيفة، يُنظر إلى هذا القرار باعتباره تحولًا جوهريًا في السياسة المالية للسلطة الفلسطينية، التي ظلت لسنوات تدفع مئات الملايين من الدولارات لهذه العائلات، ما جعلها موضع انتقادات دولية، وكان ذلك عاملًا رئيسيًا في تعليق المساعدات الأمريكية المباشرة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين فلسطينيين، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، أن القرار يهدف إلى مواءمة السياسات المالية للسلطة مع القوانين الأمريكية، بما يسمح باستئناف تدفق المساعدات الخارجية، بعدما حظرت واشنطن دعمها الاقتصادي المباشر للسلطة بسبب هذه المدفوعات.
يأتي هذا التطور وسط أزمة مالية متفاقمة تعاني منها السلطة الفلسطينية، حيث زاد الحظر الأمريكي من الضغوط الاقتصادية التي تواجهها، ما أدى إلى صعوبة دفع رواتب الموظفين الحكوميين بشكل منتظم.
نظام جديد تحت رقابة أمريكية إسرائيلية
ذكرت الصحيفة أن المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي، المسؤولة عن إدارة المساعدات الاجتماعية للفلسطينيين، أعلنت أن الدعم المالي المخصص لعائلات الأسرى سيُمنح بناءً على معايير الحاجة الاقتصادية والرعاية الاجتماعية فقط، دون النظر إلى أي اعتبارات سياسية أو ارتباطات سابقة.
بموجب القانون الجديد، ستحصل عائلات الأسرى على مساعدات اجتماعية إذا ثبتت حاجتها المالية، لكن دون أن يُعتبر ذلك تعويضًا عن المشاركة في عمليات ضد "إسرائيل".
سيعتمد النظام الجديد على 43 معيارًا دوليًا لتقييم الاستحقاق الاجتماعي، في خطوة تهدف إلى إعادة هيكلة توزيع المساعدات وفق المعايير الدولية.
وقالت الصحيفة، إن تنفيذ هذا القانون الجديد سيخضع لرقابة أمريكية وإسرائيلية دقيقة، حيث تسعى واشنطن وتل أبيب للتحقق من جدية السلطة الفلسطينية في تطبيقه.
لكن القرار أثار -وفقا للصحيفة- ردود فعل غاضبة بين الفلسطينيين الذين يعتبرون المعتقلين ضحايا لمحاكمات غير عادلة أو مناضلين ضد
الاحتلال الإسرائيلي، فيما يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يراهن على تحسين علاقاته مع إدارة ترامب بعد سنوات من التوتر السياسي، متوقعا بأن يكون رد الفعل الداخلي محدودًا.
ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي إبراهيم دلالشة قوله، إن هذا القرار يعكس تأثير ترامب، حيث تسعى السلطة الفلسطينية لفتح صفحة جديدة معه.
إصلاح العلاقات مع واشنطن
ذكرت الصحيفة أن حكومة الرئيس الفلسطيني محمود عباس تسعى منذ الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر إلى إعادة بناء علاقتها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد فترة من التوترات الحادة خلال ولايته الأولى، إلا أن إصرار ترامب الأخير على تهجير نحو مليوني فلسطيني من قطاع غزة قد زاد من تعقيد العلاقة بين الجانبين.
وأشارت إلى أن ترامب أثار غضب القيادة الفلسطينية خلال ولايته الأولى بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المتنازع عليها، وتجميد معظم المساعدات الأمريكية، بالإضافة إلى طرح خطة سلام اعتُبرت منحازة بشكل كبير لـ"إسرائيل".
من جانبها، ترى إسرائيل أن تقديم مخصصات مالية لعائلات الأسرى الفلسطينيين المتورطين في عمليات طعن وإطلاق نار وتفجيرات انتحارية ضد إسرائيليين يمثل حافزًا ماليًا للإرهاب، مشيرة إلى أن الفلسطينيين الذين يقضون أحكامًا أطول في السجون الإسرائيلية يحصلون على مخصصات أعلى، مما يعدّ من وجهة النظر الإسرائيلية مكافأة على تنفيذ هجمات أكثر دموية.
وقد حجبت "إسرائيل" خلال السنوات الماضية أموالًا مستحقة للسلطة الفلسطينية، واقتطعت سنويًا أكثر من 100 مليون دولار من عائدات الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة.
وفي عام 2018، وقّع ترامب "قانون تايلور فورس"، الذي أنهى المساعدات الاقتصادية الأمريكية التي تعود بالنفع المباشر على السلطة الفلسطينية طالما استمرت في دفع مخصصات عائلات الأسرى.
وفي بيانها الأخير، أوضحت المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي أن الإصلاحات تتماشى بالكامل مع أهداف "قانون تايلور فورس"، لكن إسرائيل رفضت إعلان عباس ووصفته بالخداع، مؤكدة أن السلطة الفلسطينية لن تتوقف عن دفع الأموال لعائلات الأسرى.
وقال أورين مارمورستين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية: "هذه مجرد خدعة جديدة من السلطة الفلسطينية التي تعتزم مواصلة دفع الأموال للإرهابيين وعائلاتهم عبر قنوات بديلة".
وحسب الصحيفة، من غير المرجح أن يؤدي مرسوم عباس إلى استئناف فوري للمساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية، فضلا عن أن ترامب لم يعلن حتى الآن ما إذا كان على استعداد لدعم السلطة الفلسطينية مجددًا.
عقبات وانتقادات
أوضحت الصحيفة أنه رغم الإعلان عن إصلاحات في نظام مخصصات الأسرى، لا تزال هناك عقبات قانونية معقدة تحول دون استئناف المساعدات الأمريكية، أبرزها الحاجة لإثبات امتثال السلطة الفلسطينية لـ"قانون تايلور فورس".
واعتبرت أنه في حال تنفيذ التعديلات، سيكون ذلك تحولًا جذريًا في موقف الرئيس محمود عباس الذي كان قد أكد سابقًا أنه لن يتخلى عن دفع هذه المخصصات حتى في أوقات الأزمة المالية.
وفي أواخر يناير/ كانون الثاني، أبلغ حسين الشيخ مستشار الرئيس عباس، المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بأن السلطة مستعدة للمضي قدمًا في تعديل نظام المخصصات المالية.
لكن هذا التحول أثار انتقادات حادة في الضفة الغربية ورفضته حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وأكدتا أنه تفريط بحقوق الأسرى.
من جهته، دعا قدورة فارس، رئيس هيئة شؤون الأسرى، الرئيس محمود عباس إلى "التراجع الفوري" عن المرسوم، محذرًا من تداعياته، بينما اعتبر الأسير السابق عصمت منصور القرار "خطأ فادحًا" مؤكدًا أن الأسرى هم رموز النضال.