عمليات
تبادل الأسرى المتواصلة بين كتائب القسام والكيان الصهيوني تجدد الحديث عن
"طوفان الأقصى" وضرباته الموجعة للصهاينة ونتائجه المبهرة لحماس ولشرفاء
الأمة، وقد أخذ ذلك ما يكفيه من التناول الإعلامي، لكن الضربة التي تلقاها الحلف
الإيراني
في المنطقة ما زال مسكوتا عنها أو لم تأخذ حقها من التناول الإعلامي، وهي ضربة لا
تقل إيلاما عن الهزيمة الساحقة التي تلقاها الكيان الصهيوني عبر الطوفان ولم يتوقف
دويها حتى اليوم. فقد أسفرت عن تشكيل واقع جديد في المنطقة، وهو ما يستحق مزيدا من
البحث في جذور وامتدادات وتفاعلات ما جرى داخل الحلف الشيعي في المنطقة، خاصة في
لبنان والعراق، وتأثيرها الكبير على المركز في إيران.
فيما
يتعلق بحزب الله اللبناني، فقد رسخ الحزب صورة ذهنية ضخمة لدى الرأي العام من خلال
استعداداته واستعراض أسلحته المتطورة، وكذلك أدائه المتميز خلال اشتباكاته مع
العدو وإنزال هزائم مدوية به.
وقد
زرت -ضمن وفد من الصحفيين العرب- الضاحية الجنوبية لبيروت حيث يتمركز الحزب
وأنصاره وغالبية المكون الشيعي اللبناني، فكان المشهد مبهرا من حيث الدقة الأمنية
والتنظيم والشكل العام، بما يلقى في روع الزائر أنه أمام قوة لا يستهان بها.
لكن
المفاجأة المدوية لجماهير الحزب قبل الرأي العام تمثلت في حالة الضعف والتردد في
التي بدا بها الحزب في التعامل مع مفاجأة طوفان الأقصى فظهر بشكل مرتبك، وذلك راجع
إلى الموقف الإيراني الرافض للمشاركة في التفاعل مع الطوفان، وفي نفس الوقت معارضة
الداخل اللبناني لذلك، وهو ما وفر فرصة نادرة للكيان الصهيوني للأخذ بزمام
المبادرة ومفاجأة الحزب بسلسلة من الضربات المتلاحقة بدءا من 18 أيلول/ سبتمبر 2024م،
بتوجيه ضربته بتفجير أجهزة الإرسال اللاسلكي (الووكي توكي) والتي تم من خلالها
تدمير 3 آلاف جهاز بيجر وتبعها تفجير قسم كبير من ترسانة الحزب من الصواريخ بعيدة
المدى، وبعد ذلك بأيام (من 20 أيلول/ سبتمبر- 3 تشرين الأول/ أكتوبر) تعرض الحزب
لضربات أخرى موجعة باغتيال أكثر من عشرين من قياداته العسكرية العليا، وفي مقدمتهم
زعيم الحزب حسن نصر الله (27 أيلول/ سبتمبر)، وهو ما أفقد الحزب منظومة التحكم
والسيطرة فاضطر إلى استدعاء قائد فيلق القدس إسماعيل قآني وتكليفه بالذهاب إلى
بيروت لتجميع الخيوط التي انفرط عقدها وإدارة المعركة من بيروت، بعد محاولات مضنية
للملمة قوة الحزب.
وقد
حققت تلك المحاولات نجاحا محدودا -وفق قريبين من الحزب- في إعادة منظومة التحكم
والسيطرة واستئناف الحزب لعملياته وإطلاق الصواريخ لعدة أسابيع، لكن تدهور الروح
المعنوية الذي ساد كوادر الحزب بكل درجاتها، ظل يلقي بظلاله السلبية على مؤسسات
الحزب، خاصة أن قياداته استشعرت وجود اختراقات ولم يتم التمكن من اكتشاف معظمها!!
ومن
هنا اضطر الحزب إلى خيار التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بغض النظر عن ملاءمة ذلك
لظروفه، وذلك خشية أن يتعرض إلى مزيد من الاستهداف والخسائر، خاصة أن الأضرار التي
طالت حاضنته الشعبية بدأت تؤثر على الحالة المعنوية العامة، ويضاف إلى ذلك أمر مهم
جدا وهو أن البيئة اللبنانية بصفة عامة كانت تضغط باتجاه وقف الحرب بسبب تأثيرها
الشديد على أوضاع البلاد.
وقد
كان لاتفاق وقف الحرب دلالات ونتائج مهمة تتلخص فيما يلي:
1- ألقى بظلال سلبية على صورة
الحزب وخلص إلى سقوط هيبته، وهو ما أغرى الكيان الصهيوني لتوجيه مزيد من الضربات
كما أغرى خصوم الحزب إلى فرض ما يريدونه.
2- تأكد أن الموقف الإيراني لم
يكن شجاعا ولا إيجابيا تجاه الحزب -إن لم يكن متخاذلا- وهو ما يعنى أن إيران قد
تخلت عنه، وقد انعكس ذلك سلبا على الواقع في
سوريا أحد أركان الحلف الشيعي، لصالح
الثورة السورية التي بادرت باتخاذ قراراها بالهجوم على مدينة حلب، فقد ألهم طوفان
الأقصى طوفانا جديدا في سوريا، حيث انطلقت التحركات الثورية التي لم يكن مخططا لها
أن تطيح ببشار الطاغية، إذ كانت تقديرات القائمين عليها عدم الإطاحة بنظام بشار
لأن الدول الداعمة للأسد يمكن أن تتدخل، فكان قرار الثوار أن تقتصر العمليات
والتحركات على السيطرة على المنطقة المتفق عليها بين تركيا وروسيا (هي المساحة
المحررة التي يحظر على النظام السوري الدخول إليها وفي الوقت نفسه ممنوع على
المعارضة الخروج منها)، لكن المفاجأة بعد هجوم الثوار على حلب كانت أن النظام سقط
بالفعل مما شجع فصائل الثورة على التوجه نحو مدينة حماة التي سقطت أيضا دون مقاومة..
وهنا واصل الثوار إلى مدينة حمص وعندها -وفق معلومات مؤكدة- تدخلت الإمارات
والأردن وأوعزت الى أحمد العودة، أحد قيادات الجيش الحر التابع، لهم بالتوجه الى
دمشق ليسبق بقواته وصول أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني في ذلك الوقت)، لكن التواصل
السريع من الشرع بأحمد العودة أثمر تفاهما قضى -وفق قريبين- بأن يترك العودة دمشق
للشرع.. وهكذا آلت الأمور إلى قيادة أحمد الشرع.
أما
بالنسبة لوضع حركة حماس في المنطقة خاصة في كل مصر وسوريا، فإن إجراءات قاسية تمت
بحقها من النظام المصري بهدف إضعاف قوتها بإحكام إغلاق الأنفاق على الحدود المصرية
مع غزة، وبالتالي إغلاق المنفذ الوحيد لوصول السلاح للمقاومة في غزة.
ماذا
عن حركة حماس؟!
أما
عن وضع حركة حماس في سوريا فإن نظام بشار لم يوف ببنود المصالحة التي انعقدت بينه
وبين الحركة عام 2022م، فلم يفرج عن 69 من كوادر حماس المحتجزين لديه في سوريا،
وتبين لاحقا أنه أعدمهم خلال معركة طوفان الأقصى، ولا ندري هل تم ذلك خوفا من
طوفان مماثل ينفجر من داخل سوريا على النظام البعثي أم مجاملة للكيان الصهيوني، في
صفقة غادرة قدمها بشار للصهاينة كما فعل أبوه من قبل بصفقة تسليم الجولان للصهاينة.
وهذا إضافة إلى أن نظام بشار لم تسجل له أية خطوة عملية لدعم طوفان الأقصى، بل
بالعكس عندما تم اغتيال رئيسي المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية ومن بعده يحيي
السنوار ومن قبله القيادي البارز صالح العاروري لم يصدر عن النظام السوري أية
كلمات عزاء، بينما تعاطف النظام السوري بقيادة بشار مع عمليات تصفية السنة في
المنطقة، حيث تم العثور على وثائق لدي بشار المجرم تضم تقارير تؤكد أن حماس لم
تنته بعد!! في إشارة للعدو بمواصلة حرب الإبادة على غزة.
وبلا
مبالغة، فلو دققنا النظر في مجريات حرب الإبادة الصهيونية على غزة سنكتشف أن دولا
عربية كانت -وما زالت- أكثر تورطا فيها من الكيان الصهيوني!
ومن
هنا فإن سقوط النظام السوري الذي يعد أسوأ الأنظمة في المنطقة، ومجيء بديل إسلامي
بقيادة الرئيس أحمد الشرع يمثل بادرة إيجابية في صالح القضية
الفلسطينية، خاصة أن
خطابه منذ مجيئه على رأس القيادة في سوريا يعد خطابا مدروسا ومتقدما، مع ملاحظة
حدوث تحولات إيجابية في شخصيته وتأكيد من يتعاملون ويتواصلون معه بأن لديه قابلية
جيدة للتعاطي مع الواقع، وهو ما نتابعه في تحركاته وتصريحاته في الفترة الأخيرة.
وفي
نفس الوقت فإن النظام الجديد في سوريا ينظر إلى حركة حماس بإيجابية، وبالتالي يمكن
القول إن عودة العلاقات بين حماس وسوريا ستكون محل ترحيب من النظام الجديد، وأن
اللاجئين الذين خرجوا من سوريا -وهذا مهم- يمكن أن يعودوا لمخيماتهم التي كانوا
يعيشون فيها.
وأتوقع
إذا ظل النظام الجديد في سوريا بهذا الانفتاح والتطور نحو القضية الفلسطينية، فإن
سوريا يمكن أن تكون في البعد الاستراتيجي جزءا مهما لصالح معركة التحرير القادمة
جنبا إلى جنب مع المقاومة.
وبعد..
هل توقفت ارتدادات طوفان الأقصى عند هذا الحد؟.. أعتقد أن المنطقة مقبلة على موجة
جديدة من الطوفان من المتوقع أن تتفجر فجأة في عدد من الدول المهمة، كما من
المتوقع خلالها مزيدا من الانهيار للمحور الشيعي، ربما يؤذن بغروب شمسه.