مدونات

معالم الانهيار في الأمم

"الأمم تنهار عندما ينهار ما تقوم عليه"- جيتي
مقدمات التخلف

الأمم تنهار عندما ينهار ما تقوم عليه، فتعود لاحتلال مكان يتناسب مع وضعها الجديد، لأن انهيار ما تقوم عليه كالشيوعية في الاتحاد السوفييتي وتحييد الإسلام وتشويهه في بلاد المسلمين، وربما النظام الرأسمالي في وقت ليس بالبعيد، يجعل الدول المسماة باسمه تعوّم فتأخذ مكانها بقيمتها الحقيقية، لذا وجدنا روسيا تأخذ دورا وظيفيا لضمان الأسلحة النووية آمنة؛ وإن كان بوتين يريد أن يراوغ لعله يخرج من هذا الدور إلى حلم الاتحاد السوفييتي كعظمة، ولكن فشل الشيوعية يجعله يتمسك بالنموذج القيصري الذي لم يك يملك مقومات المتانة الكافية، وما ساعده على الاستمرار هو سعة المساحة فكانت تحتمل الإخفاقات الموضعية كمشاكسة القوزاق وكانوا من المغول في أوكرانيا ويفشل غزاتها بسياسة الأرض المحروقة.

الحكم الإسلامي مر بمراحل متعددة ووفق زمنها كانت تتطور، فالشورى استمرت في عهد الراشدين، لتتحول إلى ملكية باسم الخلافة، لكن محاولة تبرير الحكم الملكي كانت مؤذية للشريعة لأنها جعلت الفقهاء يقرون وينظرون لحكم التغلب في سبيل المحافظة على الحكم داخل قريش، ثم انفلت الأمر ليتحول بضرورة استحصال البيعة للمتغلب، فالبيعة الضمنية في عصرنا لذي الشوكة والمتغلب فكانت متاحة للمغامرين من العسكر أو من له شوكة وقدرة على التغلب.

الحكم الإسلامي مر بمراحل متعددة ووفق زمنها كانت تتطور، فالشورى استمرت في عهد الراشدين، لتتحول إلى ملكية باسم الخلافة، لكن محاولة تبرير الحكم الملكي كانت مؤذية للشريعة لأنها جعلت الفقهاء يقرون وينظرون لحكم التغلب في سبيل المحافظة على الحكم

دخول الفلسفات الشرقية واليونانية أوجد اضطرابا في الفهم والتفسير، غالبا هذا يحصل عندما يحاول المفكرون الإجابة عن أسئلة ليس متاحا علمها عندهم، أو أنها أصلا مجابة لكن حصل فيها التباس مثل معنى الروح والقلب والفؤاد، أو محاولة رأب الفجوة بين العقل البشري المحدود في الزمكان من خلال ما ظن أنها إجابات فلسفية كنظرية الفيض، وهي نظرية وثنية ونوع من الخزعبلات كما قيل إن الأرض مسطحة وأنها مركز الكون، ونحن نرى اليوم أنها نقطة لا تكاد ترى في سعة السماء الأولى وليس الكون كله.

معالم التخلف:

اختلاف هواة المعرفة وتقليعة الفكر الفلسفي ورغبة الإضافة والإبداع وبعقلية المعلم الذي يعرف الحقيقة كانت أفكارا بسيطة تحول الناس إلى فرق متناحرة، والأدهى هو التكفير وكانت اجتهاداتهم هي اجتهادات إلهية وعلى مسألة لا تخصهم أصلا كموقع الإنسان من الجنة والنار يصبحون فرقا، أو أن الإنسان مخير أم مسير وهو سؤال وهمي خرافي لا وجود له، وإنما أتى مع مفرزات الفلسفات التي انتقلت كمعارف، بينما هذا الأمر ليس سؤالا في الإسلام بحكم توضيح الإسلام للماهيات في الخلق.

منظومة تنمية التخلف:

هذه المنظومة انتقلت إلى التفسير ورغم أننا نسمع عبارات من تمنطق أو تفلسف تزندق إلا أن هذه الناس تعرف القلب بغير التعريف القرآني وتعرف العقل كاسم وليس فعلا كما وردت في القرآن وهكذا بقية المصطلحات الفلسفية، والتيه مستمر بالتطور والتأقلم ليزداد التخلف بعمل منظومة.

ما جرى في نهاية العهد الأموي والعصر الأول العباسي مهد بشدة إلى منظومة تنمية التخلف الفكري، فشكل الجهاز المعرفي الحاد والعادات والتقاليد والسلوكيات والانفصال عن الواقع والانفصال عن الدولة وتشوه المعاني وسيادة الظلم والاستبداد، وهو أكثرها خطورة وتأسيس للتشوه في القيمة البشرية ومعاني العدل والإحساس بالمسؤولية العامة، فالأمة ليست إلا أناسا يحكمون وتزود السلاطين بالضرائب وليست ذات أهلية ليؤخذ رأيها، وأن الحاكم هو من يعرف أين المصلحة، ومن مسيرة الخلاف الذي بدأت عنده الأمة تتشظى في صفّين والطف، إلى مسيرة المحافظة على القرشية إلى ضرورة طاعة السلطان الظالم نزلت الأحاديث الموضوعة والروايات والعبر التي تدعو للاستسلام والاستكانة وتغير معنى الصبر إلى الاستسلام والاستكانة، إلى أن وصلنا اليوم إلى أمة غثاء كقطيع من الأيل تفترس صغيرتها ويقف القطيع يراقب سنورا يأكل أحدها بكل بلادة منتظرا دوره، بل تطور الأمر إلى هجاء المظلوم والتشفي به، أو المشاركة في إسقاطه ليكون فريسة سهلة ووصلنا اليوم إلى المشاركة في تمزيقه ليسهل مضغه وتجويع دول ومقاطعات بقرار أجنبي ننفذه بكل عناية ودقة، وإن وجد الرسول وقومه من يمزق وثيقة المقاطعة من قريش فلا أحد اليوم يتحرك وإنما نرى أمورا تثير العجب من التشوه الفكري ومن أناس يعدون دعاة للإسلام. وهذا كله في منظومة تنمية التخلف من جراء الجهاز المعرفي الذي يزداد تشوهه بإعادة التغذية للتخلف لمنظومة الحياة العامة ليصبح الحق باطلا والباطل حقا والمنكر معروفا والمعروف منكرا والناس عدوة لأملها.

ضرورة ملحة
 لا بد أن نفرق ما بين هو نص وبين الاجتهاد البشري وإصلاح الجهاز المعرفي لقيادة الواقع والارتقاء به

من الضرورة بمكان إحداث اليقظة وأن تتجه الدول للنهضة بتغيير الجهاز المعرفي للناس والعامة وأن يرفع عنهم ما هم فيه اليوم وتنقية الفكر من عوالق التاريخ البشرية الطائفية، مثلا استحضار عوامل الاختلاف وإهمال العبرة بتقديس الرموز التي استبدلت الآلهة بها. اليوم الكل يتكلم الكل يريد أن يثبت أنه صواب لا مجال للتفكير والمراجعة، لهذا نحن أمة غثاء، والغثاء هو النفايات التي تحملها السيول فما عندنا هو نفايات كل شيء، من الدين نأخذ أعقد الأمور مما أبدع في تعقيده مجتهدو العصور لغير عصرنا، ولا يتناسب مع أدائنا والعالم من حولنا فأضحى كلاما للمجالس لأنه لا يطبق ولا واقع له ولا من يعلمه يربطه بسلوكه، فترى ناصحا ينصحك وهو يتصرف التصرف المشين فضاعت القدوة والكلمات. والنخبة تأخذ من العلم المظهر وإبراز المعرفة والغلبة وهي ليست معنية بدقة أو فهم، إلا الانتصار بالجدل والكلام بلا هدف؛ كذلك نأخذ من التاريخ الاختلافات كما نلاحظ الانقسامات التي تحولت من السياسة لتؤصل في الشريعة وتشظيها لطوائف متناحرة وكأنها أديان متعددة، فلا هي تتعامل مع بعضها كما يتعامل المسلمون مع أهل الذمة بالحفظ ولا هم يتجاوزون الخلافات ويجردوها من الشرع لتكون أحزابا سياسية تتطور مع الزمن.

خلاصة القول، لا بد أن نفرق ما بين هو نص وبين الاجتهاد البشري وإصلاح الجهاز المعرفي لقيادة الواقع والارتقاء به.. إن حال الأمة محزن والكل مسؤول في استعادة ذاته لأنه مهم في الحياة مهما كان علمه أو حرفته.