نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"
مقال رأي للكاتبة مهر أحمد تناولت فيه تجربة السياسي الأمريكي المسلم زهران ممداني، مشيرة إلى أن النظر إليه يجعلها تدرك ما يعنيه أن تكون مسلما في الولايات المتحدة.
وذكرت الكاتبة أن الأيام التي سبقت فوز ممداني الحاسم في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية لمنصب عمدة نيويورك كانت مليئة بالتكهنات حول فرصه، وقال صديقها أرمان دزيدزوفيتش: "إذا فاز، فالأمور على وشك أن تزداد سوءا"، في إشارة إلى موجة الانتقادات التي كان من المتوقع أن يتعرض لها ممداني، تشمل اتهامات بالتعاطف مع الإرهاب أو حتى وصفه بالإرهابي.
وأوضحت أن هذا الشعور نابع من فهم مشترك لمعنى أن يكون المرء مسلما في أمريكا، حيث رغم أن الثقافة الإسلامية تسللت تدريجيا إلى المجتمع الأمريكي إلى حد أن شابا غير مسلم قد يقول "إن شاء الله" – إلا أن أي تقدم بسيط يحققه مسلم يقابَل بانفجارات من التعصب والكراهية ضده وضد المسلمين.
اظهار أخبار متعلقة
وقالت الكاتبة إن المسلمين، بعد أكثر من عقدين على أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، تعلموا توقع أنماط الكراهية المعادية للإسلام، سواء بعد هجوم إرهابي، أو قصف دولة ذات أغلبية مسلمة، أو بمجرد أن يبرز مسلم في الوعي العام، حيث يمكنهم أن يتوقعوا تسرب التحيز المعادي للمسلمين إلى وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل روايات الخير والشر التي يروجها السياسيون عقب كل أزمة.
وأشارت الكاتبة إلى أنه لم يكن مفاجئا عندما أطلق سياسيون يمينيون على ممداني لقب "محمد الصغير" بعد فوزه مباشرة، متهمين إياه بالسعي إلى تطبيق الشريعة ومُلمّحين إلى أن فوزه قد يؤدي إلى "أحداث 11 أيلول/ سبتمبر جديدة".
ورأت الكاتبة أن الأخطر من ذلك هو "رهاب الإسلام الخبيث" الذي تسلل إلى المؤسسات الليبرالية بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في
إسرائيل، وهي مؤسسات تزعم معارضة العنصرية لكنها أسهمت، وفق قولها، في تمهيد الطريق أمام إدارة ترامب لتبني سياسات معادية للمسلمين وتضمينها في القوانين، ما أدى إلى عواقب بعيدة المدى على المسلمين في أمريكا.
وأضافت أن هذه المؤسسات لا ترى ممداني كـ"محمد الصغير" بل تعتبره "معاديا للسامية" بسبب انتقاده لدولة الاحتلال الإسرائيلي وكونه مسلما.
اظهار أخبار متعلقة
وأكدت الكاتبة أن معاملة ممداني كشفت عن عمق التحيز ضد المسلمين داخل المؤسسات الأمريكية، مشيرة إلى أن مصطلح "الإسلاموفوبيا" ليس سوى تسمية خاطئة لأنه شكل من أشكال التمييز، وأن حياة المسلمين في أمريكا تتمحور في كثير من الأحيان حول تهدئة مخاوف الآخرين حتى وإن كانت تلك المخاوف متجذرة في التعصب.
وأضافت الكاتبة أن تجربتها الشخصية مع هذا الواقع بدأت عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، إذ كانت تُوقَف في المطارات باستمرار، وكان والدها يوصيها بالحفاظ على التواصل البصري مع موظفي الأمن والتحدث بثقة وابتسامة، وهي تصرفات ترمز إلى محاولة إظهار أنها من "المسلمين الجيدين"، خوفا من أن يُنظر إليها كتهديد.
وأوضحت أن ممداني، الذي نشأ في نيويورك بعد تلك الأحداث، واجه تجارب مماثلة في طفولته.
وفي حوار أجرته الكاتبة معه، سألته ما إذا كان يرى أن هويته الإسلامية سبب في استجوابه المتكرر حول مواقفه من دولة الاحتلال، فأجاب: "أعتقد أنه جزء من الأمر، وأعتقد أيضا أن دفاعي عن حقوق الفلسطينيين طوال مسيرتي السياسية جزء آخر من الأمر".
وأشارت الكاتبة إلى أن نشأة ممداني لعبت دورا في وعيه السياسي؛ فهو ابن المخرجة الهندية الشهيرة ميرا ناير، ووالده محمود ممداني أستاذ بارز في جامعة كولومبيا ومعروف بمناهضته للاستعمار، وقد تربى بين مثقفين مثل إدوارد سعيد ورشيد الخالدي.
اظهار أخبار متعلقة
وكان عضوا مؤسسا في فرع كلية بودوين لحركة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، وشارك في احتجاجات ضد التوغلات الإسرائيلية في غزة قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بوقت طويل.
وذكرت الكاتبة أن ممداني، منذ اندلاع الحرب في غزة، جعل الدفاع عن الفلسطينيين جزءا من أجندته السياسية، إذ رعى بصفته عضوًا في مجلس الولاية مشروع قانون يمنع الشركات غير الربحية من دعم المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، كما قاد إضرابا عن الطعام لخمسة أيام أمام البيت الأبيض، واعتُقل في اعتصام نظمته منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام" أمام منزل السيناتور تشاك شومر.
وترى الكاتبة أن كون ممداني مسلما جعله أكثر إدراكا لظلم الفلسطينيين، فالمسلمون الأمريكيون "بحسب المقال" يرون أن معاناتهم مرتبطة بما يحدث للفلسطينيين، وأن رواية "الحرب على الإرهاب" أبعدتهم عن الواقع الحقيقي الذي جلب الفوضى والموت لمئات الآلاف من المسلمين الأبرياء.
ونقلت الكاتبة عن ممداني قوله، متذكرا أحداث 11 أيلول/سبتمبر حين كان عمره تسع سنوات: "كان هناك تناقض واضح بين ما يُقال وما يحدث فعلا. تعلمت في سن مبكرة أنه مهما كان اهتمامك بالسياسة، فإن السياسة تهتم بك". وأضاف أنه يتذكر كيف كانت الشرطة تراقب آلاف المسلمين، حتى أن أنشطة بسيطة مثل زيارة المسجد أو ملعب كرة قدم كانت تُعرّض صاحبها للمراقبة.
وفي السياق نفسه، نقلت الكاتبة عن كاشف شيخ، رئيس "صندوق بيلارز"، قوله إن تلك الفترة كانت صعبة للغاية على المسلمين، موضحا: "إذا كنت ستعارض الحرب علنا، فسيُصورونك كداعم للإرهاب".
اظهار أخبار متعلقة
فيما قال علي نجمي، محامي ممداني الانتخابي، إن "جيلنا لم يعد مضطرا للاعتذار عما فعله المسلمون الآخرون في 11 أيلول"، مشيرا إلى أن المسلمين الأمريكيين باتوا جزءا من المشهد السياسي الديمقراطي إلى جانب شخصيات مثل رشيدة طليب وإلهان عمر وكيث إليسون ولطيفة سيمون.
وأضافت الكاتبة أن الثقافة الشعبية الأمريكية بدأت تحتضن شخصيات مسلمة بارزة مثل رامي يوسف وريز أحمد وبيلا حديد، وأن المسلمين لم يعودوا يُنظر إليهم فقط كـ"إرهابيين"، لكن اختبار "التمييز بين الخير والشر" لا يزال تحديا يواجههم عند صعودهم إلى مواقع النفوذ، وممداني ليس استثناء.
وأوضحت أن ممداني لم يُدن في إحدى المقابلات عبارتي "عولمة الانتفاضة" و"من النهر إلى البحر"، ما أدى إلى هجوم واسع من منظمات يهودية اعتبرته تهديدا للجالية اليهودية.
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات تحذر اليهود من الخطر، ووصل الأمر إلى أن كتبت الممثلة جيل كارغمان في "نيويورك تايمز" أن فوزه يشبه "ليلة كريستال روحية"، في إشارة إلى ليلة الاعتداءات النازية على اليهود في ألمانيا.
وذكرت الكاتبة أن اتهام ممداني بـ"معاداة السامية" أصبح مألوفا لدى المسلمين في أمريكا، إذ جرى تهميش أو إسكات المئات منهم تحت هذه الذريعة. ونقلت عن عفاف ناشر، رئيسة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية في نيويورك، قولها إن عددا متزايدا من النزاعات الوظيفية في المؤسسات الأمريكية يعيد تعريف الخطاب المؤيد للفلسطينيين على أنه معادٍ للسامية، مشيرة إلى حادثة طرد الممرضة حسن جبر من مركز لانغون الصحي بجامعة نيويورك بعد أن وصفت ما يجري في غزة بأنه "إبادة جماعية".
اظهار أخبار متعلقة
كما نقلت الكاتبة عن سحر عزيز، أستاذة القانون في جامعة روتجرز، قولها إن الوضع الحالي يشبه فترة قانون باتريوت بعد 11 أيلول، حيث يجري قمع الحريات المدنية، مضيفة أن وجود مبادرات مثل مشروع إستر، التابع لمؤسسة التراث التي تقف وراء مشروع 2025، يعكس توجها مؤسسيا نحو قمع الخطاب المؤيد للفلسطينيين. وقالت عزيز: "كلما أصبح الأمر مؤسسيا أكثر، زادت صعوبة مكافحته".
وأشارت الكاتبة إلى أن الرئيس دونالد ترامب أصدر في كانون الثاني/ يناير أمرا تنفيذيا "لمكافحة معاداة السامية" منح وزارة العدل صلاحيات لإنشاء فرقة عمل متعددة الوكالات لملاحقة من يُعتبرون مذنبين بمضايقات معادية للسامية، بناء على تعريف غامض للعبارة. ولفتت إلى أن إدارة ترامب وصفت المسلمين المؤيدين للفلسطينيين بأنهم "إرهابيون معادون للسامية"، بينما أصبح هذا الوصف متداولا أيضا في الأوساط الليبرالية.
وأضافت أن بعض الديمقراطيين البارزين امتنعوا عن وصف ممداني بمعاداة السامية، لكن آخرين مثل جوش شابيرو وكيرستن غيليبراند قالوا إنه "ترك مجالا واسعا للمتطرفين" و"أشار إلى الجهاد العالمي".
ومع بقاء ثلاثة أسابيع على الانتخابات، لم يُعلن زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر ولا زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز تأييدهما له رغم كونه مرشحا ديمقراطيا لمنصب عمدة نيويورك.
وبينت الكاتبة أن ممداني سعى إلى تصحيح صورته عبر عقد اجتماعات مغلقة مع أعضاء من الجالية اليهودية، خصوصا أولئك الذين انزعجوا من مواقفه، في محاولة لتقريب وجهات النظر.
وأضافت أن الهجمات ضد ممداني لم تقتصر على اليمين الأمريكي بل شملت تهديدات صريحة بالقتل وصلت إلى مكتبه، في ظل صمت العديد من زملائه الديمقراطيين الذين لم يدافعوا عنه علنا.
واختتمت الكاتبة مقالها بكلمات ممداني التي قال فيها: "كنت منشغلا دائما بكوني أقلية – كوني هنديا في أوغندا، ومسلما في الهند، وكل هذه الأمور في مدينة نيويورك. وكان والدي يقول لي دائما إن كونك أقلية يعني أيضا أن ترى حقيقة المكان، وأن ترى ما فيه من خير ومن تناقضات".