كتاب عربي 21

قراءة في رد حماس على خطة ترامب

محسن محمد صالح
"ما يتعلق بمستقبل قطاع غزة والثوابت المتعلقة بنزع أسلحة المقاومة والمشاركة السياسية؛ فقد أحالته إلى الموقف الوطني الجامع"- الأناضول
"ما يتعلق بمستقبل قطاع غزة والثوابت المتعلقة بنزع أسلحة المقاومة والمشاركة السياسية؛ فقد أحالته إلى الموقف الوطني الجامع"- الأناضول
عندما أعلن ترامب في 29 أيلول/ سبتمبر 2025 خطته بشأن إنهاء الحرب على قطاع غزة، مدعوما بتأييد عربي وإسلامي ودولي لها؛ شعر معظم المراقبين أن حماس حُشرت في الزاوية، وأنها وُضعت بطريقة "ماكرة" في مواجهة شعبها والرسميات العربية والإسلامية والدولية. ووصل الأمر ببعض المعلقين الشامتين أن ذكروا أن حماس أصبحت أمام أحد خيارين؛ إما الاستسلام وإما الانتحار الذاتي!! كان أسوأ ما في خطة ترامب أنها وضعت وقف الحرب وتوفير الاحتياجات الإنسانية في مقابل التنازل عن الثوابت والحقوق الأصيلة للشعب الفلسطيني، مع شرعنة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والوصاية الأمريكية الغربية عليه.

غير أن رد حماس الذي أعلنته يوم الجمعة (3 تشرين الأول/ أكتوبر 2025)، حوّل الضغط باتجاه الجانب الإسرائيلي؛ حيث نجحت في تجاوز الفخ الذي نُصب لها، من خلال ردٍّ يتسم بالحكمة والحزم والمهارة السياسية، كما أنه نجح ولو جزئيا في التعامل مع عقلية ترامب النرجسية البراغماتية التي تستعجل الإنجاز.

نجحت في تجاوز الفخ الذي نُصب لها، من خلال ردٍّ يتسم بالحكمة والحزم والمهارة السياسية، كما أنه نجح ولو جزئيا في التعامل مع عقلية ترامب النرجسية البراغماتية التي تستعجل الإنجاز

عبرت حماس في ردّها عن روحٍ وطنية مسؤولة، واستخدمت خطابا دبلوماسيا محسوبا، منسجما مع المزاج الشعبي الفلسطيني ومع الثوابت والمواقف الوطنية؛ واحتمت في موافقتها أو رفضها للبنود بالموقف الفلسلسطيني الجامع، وبالمظلة العربية والإسلامية وبالقرارات الدولية. وعزَّز من موقفها أنه جاء بعد تشاور مع الفصائل الفلسطينية ومع الوسطاء.

تعاملت حماس مع خطة ترامب كورقة تفاوضية، فلا رفض مطلقا ولا قبول مطلقا، فرحبت بالبنود ذات الطابع الإيجابي والتكتيكي والتي تصبُّ في مصلحة الشعب الفلسطيني، مثل وقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي، وإدخال المساعدات وتبادل الأسرى، والتنازل عن حكم قطاع غزة لهيئة مستقلة (تكنوقراط) يختارها الفلسطينيون أنفسهم بناء على توافقهم الوطني. أما ما يتعلق بمستقبل قطاع غزة والثوابت المتعلقة بنزع أسلحة المقاومة والمشاركة السياسية؛ فقد أحالته إلى الموقف الوطني الجامع والقرارات الدولية ذات الصلة، من خلال إطار وطني تكون حماس ضمنه وتسهم فيه بمسؤولية. وهو منطق عقلاني مسؤول؛ لأن حماس لا تملك التحدث باسم الشعب الفلسطيني أو الحسم بشأن مستقبله، كما أنه موقف يلقى قبولا عربيا ودوليا، وهو ما يعني عمليا رفض الوصاية الأمريكية ورفض الاحتلال والهيمنة الإسرائيلية، واحترام الإرادة الحرة للشعب الفلسطيني.

ترامب الذي التقط الروح الإيجابية للرد، سارع بنشره، واعتبره قبولا لخطته، وطلب من "إسرائيل" وقف هجماتها على القطاع؛ وهو ما اضطرت للاستجابة له فأوقفت هجومها، وطلبت من جيشها أن يأخذ وضعا دفاعيا. ويبدو أن ترامب أراد تسويق انتصار سياسي له، كما أن براغماتيته وعقليته كتاجر عقارات قد تدفعه لالتقاط البنود محلّ التوافق لمحاولة جر حماس لمربع التسوية، أو على الأقل محاولة نزع نقاط القوة الحالية لديها كورقة الأسرى الصهاينة، وورقة السيطرة على القطاع، والتهيئة لظروف أنسب لعزل حماس ونزع أسلحتها، والتمكين لمنظومة حكم جديدة بديلة، تستجيب لعدد من المعايير الإسرائيلية الأمريكية، وتتماهى مع مسار سلطة رام الله والرسميات العربية المطبِّعة مع الاحتلال.

يظهر أن الردّ الإسرائيلي سيسعى لامتصاص ردود الفعل الإيجابية تجاه حماس، وسيتابع عملية التفاوض بشأن إطلاق سراح أسراه. غير أنه لن يتخلى عن عناصر الضغط التي يملكها كاحتلاله لمعظم مساحة قطاع غزة، ومنعه للمهجرين من العودة إلى مناطقهم، والتحكّم في إدخال المساعدات ومستلزمات الإعمار، ومتابعة الضربات الانتقائية والاغتيالات حتى لو تم الإعلان عن هدنة

لقي ردُّ حماس ترحيبا شعبيا وفصائليا فلسطينيا واسعا، كما لقي ترحيبا عربيا ودوليا، فرحبت به قطر ومصر وتركيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وأستراليا والأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة المفوضية الأوروبية.. وغيرها؛ مما أكسبه زخما كبيرا، فاستعادت حماس زمام المبادرة، وأعادت حشر الاحتلال الإسرائيلي في الزاوية.

ردُّ حماس بدا مُربكا للاحتلال الإسرائيلي، خصوصا في ضوء تجاوب الإدارة الأمريكية معه، واضطرار الاحتلال للتجاوب على الأقل فيما يتعلق بالمرحلة المرتبطة بتبادل الأسرى؛ حيث لن يكون التفاوض "تحت النار" كما كان يرغب الاحتلال. بينما أوضح الاحتلال أن توقف الهجمات ليس وقفا للحرب ولا بداية للانسحاب، وإنما سيوفر هدوء مؤقتا وتموضعا يُمكِّن حماس من تجميع الأسرى تمهيدا لإنفاذ صفقة التبادل. ويظهر أن الردّ الإسرائيلي سيسعى لامتصاص ردود الفعل الإيجابية تجاه حماس، وسيتابع عملية التفاوض بشأن إطلاق سراح أسراه. غير أنه لن يتخلى عن عناصر الضغط التي يملكها كاحتلاله لمعظم مساحة قطاع غزة، ومنعه للمهجرين من العودة إلى مناطقهم، والتحكّم في إدخال المساعدات ومستلزمات الإعمار، ومتابعة الضربات الانتقائية والاغتيالات حتى لو تم الإعلان عن هدنة، تحت ذريعة المخاطر المحتملة، وبأسلوب قريب لما يفعله في لبنان وسورية. وسيتابع الضغط لتشكيل حكومة تكنوقراط وأجهزة أمنية متوافقة مع معاييره، كما سيضغط بشكل مستمر لنزع أسلحة المقاومة وعزل حماس وقوى المقاومة عن المشهد السياسي الفلسطيني.

وعلى أي حال، فإن حالة التدافع ستبقى قائمة، وبالرغم من أن فرص الدخول في هدنة (ولو مؤقتة) وإدخال المساعدات ستزداد في الأيام القادمة، إلّا أن احتمالات نكوص الجانب الأمريكي عن تعهداته والتماهي مع المطالب الإسرائيلية، خصوصا بعد إنفاذ صفقة تبادل الأسرى ستبقى قائمة.

x.com/mohsenmsaleh1
التعليقات (0)