سياسة عربية

لماذا اعترفت دول مجموعة السبع بفلسطين وكيف سيؤثر ذلك على الحرب في غزة؟

الاتحاد الأوروبي يضغط على حكومة الاحتلال بدون إجراءات عقابية فعلية- الأناضول
الاتحاد الأوروبي يضغط على حكومة الاحتلال بدون إجراءات عقابية فعلية- الأناضول
نشرت صحيفة "إزفيستيا" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن تداعيات اعتراف دول مجموعة السبع بدولة فلسطين على مجريات الوضع في قطاع غزة.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21": إن بريطانيا أعلنت رسميًا في 21 أيلول/ سبتمبر اعترافها بدولة فلسطين لتسير على خطاها دولتان أخريان من دول الكومنولث، هما كندا وأستراليا، بالإضافة إلى البرتغال.

وأضافت الصحيفة أن عدد الدول التي تعترف رسميًا بفلسطين ارتفع إلى 153 دولة، ما يقربها من عدد الدول التي تعترف بإسرائيل البالغ 164 دولة.

وذكرت "يبدو أن الأوروبيين مصممون على الدفع قدمًا نحو تحقيق صيغة "دولتان لشعبين". ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن هذا التغير في موازين القوى لا يشكل تهديدًا كبيرًا لإسرائيل، وأن تحركات اللاعبين الأوروبيين تظل في الغالب ذات طابع رمزي".

التحرك البريطاني
وأشار حزب العمال البريطاني منذ تموز/ يوليو إلى نيته اتخاذ هذه الخطوة، بعد أن وصل الحوار بين "إسرائيل" وحركة حماس إلى طريق مسدود وتصاعدت العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بحجة "الدفاع الوقائي"؛ حيث تقع السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليًا. ومع ذلك؛ فضل ستارمر تأجيل الإعلان لدراسة الأمر بعناية ومحاولة كسب دعم الولايات المتحدة وهو ما لم يتحقق في نهاية المطاف.

وساهمت حملة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ الهادفة إلى بناء "تحالف مؤيد للفلسطينيين" قبل المرحلة النهائية للدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في تسريع اتخاذ القرار البريطاني. ورغم اتفاق لندن جزئيًا مع رؤية باريس، إلا أنها حرصت على الإعلان عن القرار بشكل مستقل قبل باريس بيوم واحد، وليس من على منبر الأمم المتحدة.

اظهار أخبار متعلقة


وأظهرت الدراسات السوسيولوجية التي أجرتها وكالات بريطانية في منتصف أيلول/ سبتمبر دعمًا واسعًا لخطوة الاعتراف بدولة فلسطين بين الناخبين؛ حيث أيد القرار أكثر من 90 بالمئه من المستطلعين. وكانت المجموعة الوحيدة المعارضة هي عائلات الرهائن، بعد أن تمكنت حركة حماس في المرحلة الأولى من عملية "طوفان الأقصى" من اختطاف ستة بريطانيين، ولا يزال أربعة منهم على الأقل على قيد الحياة حتى ايلول/ سبتمبر 2025، وقد أعرب هؤلاء عن رفضهم لأي "إجراءات مسبقة" تجاه القوى الفلسطينية.

ولم يكن من قبيل الصدفة أن شدد رئيس الوزراء كير ستارمر على أن الاعتراف بفلسطين لا يعني مكافأة لحماس. وقال في بيان رسمي: "هذا القرار ليس مكافأة لحماس، لأنه يعني أن حماس لا مستقبل لها، لا دور لها في الحكومة وفي الأمن".

وكان من المخطط أن تُفرض عقوبات بريطانية جديدة على حركة حماس بالتزامن مع الاعتراف بفلسطين، إلا أن الحكومة فضّلت منح نفسها "مهلة عدة أسابيع" لمزامنة هذه القيود مع القوى المؤيدة للفلسطينيين الأخرى.

ونقلت الصحيفة عن كامران غاسانوف، الدكتور في العلوم السياسية بجامعة سالزبورغ والخبير في مركز البحوث الروسي، أن تصريحات ستارمر وزملائه تحمل بعدًا داخليًا أيضًا. ويقول غاسانوف: "الدول الأوروبية ودول الكومنولث تسعى لتبرير وعدها بالاعتراف بفلسطين أمام المجتمع الدولي، وكذلك أمام السكان المسلمين المتزايدين في بلدانها. فالليبراليون العالميون يعتمدون جزئيًا على الأقليات الوطنية للبقاء. وفي الوقت نفسه، يجب الرد على تحركات إسرائيل" إذ لا يمكن إخفاء مشاهد القتل الجماعي".

الوضع على الأرض
وذكرت الصحيفة أن تصريحات لندن ودول الكومنولث الأخرى جاءت في وقت تصاعدت فيه وتيرة الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة. ففي إطار عملية "عربات جدعون – 2"، كثفت القوات المسلحة الإسرائيلية ضرباتها الصاروخية والجوية على القطاع، وتقدمت أيضًا نحو المناطق المركزية في مدينة غزة، عاصمة القطاع.

وأعادت "إسرائيل" أيضًا بسرعة إعادة فتح وتوسيع العديد من الممرات الأمنية التي كانت قد أنشأتها في 2024، مثل "ممر نيتساريم"، مما أتاح لها نقل القوات بسرعة بين أجزاء القطاع المختلفة والحفاظ على مستوى عالٍ من الحركة للقوات المهاجمة.

وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية بارتفاع الخسائر بين المدنيين، حيث استشهد ما لا يقل عن 75 مدنيًا وأصيب أكثر من 400 آخرين خلال الأيام القليلة الماضية منذ انطلاق عملية "عربات جدعون – 2". ومع استمرار عمليات انتشال الضحايا من تحت الأنقاض في شمال وشمال غرب المدينة، من المرجح أن ترتفع أعداد القتلى والجرحى.

وفي الوقت نفسه، كثفت "إسرائيل" نشاطها في الضفة الغربية المحتلة. ولا يمر يوم دون أن تعلن الشرطة الإسرائيلية وأجهزة الأمن عن اكتشاف "مخابئ فلسطينية" و"مستودعات أسلحة" جديدة أو عن تحييد خلايا كبيرة موالية لحركة حماس. وقد أدى تراجع الخطوط الأمامية الافتراضية وتوسعها التدريجي في الضفة الغربية إلى خلق خطر انخراط فصائل فلسطينية كانت محايدة سابقًا في الصراع.

اظهار أخبار متعلقة


وفي الوقت ذاته، لا توجد بوادر لتقدم على المسار الدبلوماسي. فبعد الهجوم الإسرائيلي على أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس في قطر بتاريخ التاسع من أيلول/ سبتمبر، خلال اجتماع ضمن ضمانات أمنية من الدوحة وواشنطن، يتردد اللاعبون الإقليميون في تقديم أراضيهم لمناقشة تفاصيل الصفقة الفلسطينية الإسرائيلية، خوفًا من تكرار سيناريو مماثل. وهذا يزيد من صعوبة عملية التوصل إلى حدود واضحة بين إسرائيل وفلسطين.

ردود الفعل على الاعترافات الفلسطينية
وأوردت الصحيفة أنه في 21 أيلول/ سبتمبر، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الوضع في قطاع غزة بأنه كارثة، مؤكدًا أن واشنطن بحاجة إلى التعامل معها بشكل عاجل. وأعرب ترامب عن أمله في أن يلقي خطابًا مؤثرًا خلال المناقشات العامة للجلسة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

من جهتها، قالت حركة حماس إن اعتراف عدد من الدول الغربية بفلسطين خطوة لتأكيد حق الفلسطينيين في أرضهم. فيما أعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية استعدادها لتطوير "علاقات متينة وصادقة مع بريطانيا وكندا وأستراليا".

على الجانب الإسرائيلي، قوبلت الأخبار المتعلقة بتعزيز "جبهة دعم فلسطين" بردود فعل متباينة، حيث وصفت دائرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التصريحات الأوروبية حول "التوحد حول فلسطين" بأنها سخيفة وغير واقعية، إلا أن نبرة التعاطي تغيرت بعد الإشارات الدبلوماسية الصادرة من لندن وأوتاوا وكانبيرا.

وخلال اجتماع حكومي متخصص، وصف نتنياهو قرار الدول الأوروبية بأنه تحدٍ جديد لا يقل خطورة عن خطر العزلة الدولية، مؤكدًا: "سنضطر إلى مواجهة الدعاية الكاذبة الموجهة ضدنا والدعوات لإنشاء دولة فلسطينية على جميع الأصعدة بما في ذلك الأمم المتحدة. هذه الخطوات تهدد وجودنا وتشكل مكافأة سخيفة للإرهاب".

وفي خطوة أكثر تشددًا، دعا وزراء حزب الليكود المتشددون، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، إلى رد غير متماثل يشمل التوسع في الضفة الغربية ونقل الأراضي المتنازع عليها تحت السيادة الإسرائيلية. ويرى اليمين الإسرائيلي أن تل أبيب أمامها فرصة "أخلاقية لاستعادة الحق التاريخي" لكامل أراضي يهودا والسامرة. وتشمل الاقتراحات الأقل شمولًا السيطرة على وادي الأردن  بهدف تقييد طموحات السلطة الفلسطينية دون مواجهة مباشرة مع الرعاة العرب لها.

ونسبت الصحيفة إلى الباحث السياسي فرهاد إبراهيموف أن رد فعل كبار المسؤولين الإسرائيليين يعكس شعورهم بالإهانة الوطنية موضحًا أن إسرائيل منزعجة من اعتراف أوروبا بفلسطين  ومن توقف استثمارات صندوق الاستثمار السويدي والشركات الأوروبية الكبرى بسبب ما يعتبرونه سمية سياسية لإسرائيل.

ومع ذلك، يرى إبراهيموف أن هذا الاعتراف لم يغير بشكل جذري ميزان القوى لصالح أي طرف لأن إسرائيل تتصرف وفق ما تراه مناسبًا، ولا يهمها ما تفكر به أوروبا.

اظهار أخبار متعلقة


ومن جانبه، يرى  الباحث في معهد التقييم والتحليل الإستراتيجي الروسي سيرغي ديميدينكو أن جذور رد الفعل الإسرائيلي أعمق من مجرد الخلاف مع أوروبا.

وبحسب ديميدينكو فإن هذه الخطوة ليست موجهة ضد إسرائيل كدولة، بل ضد الائتلاف الحاكم، وهو الائتلاف المحافظ الديني الذي يشكل قاعدة دعم نتنياهو الأساسية، معتبرًا أن هذه هي الفرصة الأخيرة لنجاة نتنياهو سياسيًا، وهو يسعى بكل جهده للحفاظ على هذا الائتلاف  والقضية الوحيدة التي تجمعه ولو بشكل جزئي هي القضية الفلسطينية.

وبحسب الصحيفة؛ ستتجنب القيادة الإسرائيلية في المرحلة الحالية اتخاذ خطوات متسرعة، مكتفية بانتقاد الدول الأوروبية. وسيُتخذ القرار النهائي بشأن الرد على الاعتراف بفلسطين بعد "قمة مصغرة" مرتقبة بين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي من المقرر عقدها في 29 أيلول/ سبتمبر في البيت الأبيض، وفق ما أفادت به وسائل إعلام إسرائيلية.

وتعوّل تل أبيب على أن تساعدها واشنطن في احتواء الأثر الإعلامي لـ"موجة الاعترافات" بفلسطين  والإبقاء على القرار في إطار رمزي، خصوصًا أن الإدارة الأمريكية لم تصدر أي تعليق رسمي على الموقف البريطاني حتى الآن.

ويشير غاسانوف إلى أن السؤال الجوهري يكمن في ضمان أمن واستمرارية الدولة الفلسطينية معتبرًا  أن الإجراء الأكثر فاعلية كان سيكون فرض عقوبات على إسرائيل، التي يذهب نصف تجارتها إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الاتحاد لا يريد حتى إلغاء اتفاقية الشراكة القائمة.

وفي ختام التقرير نوهت الصحيفة أن مصادر دبلوماسية في بروكسل تؤكد هذا الطرح بشكل غير مباشر، مشيرة إلى أن موقف بعض دول الاتحاد قد يتغير في أي لحظة، سواء باتجاه الاعتراف بفلسطين أو التخلي عن الفكرة.
التعليقات (0)