قضايا وآراء

سياسة العصا الجديدة: الشرق الأوسط بين نار إسرائيل وغطاء واشنطن

رائد أبو بدوية
"واشنطن اختارت أداة واحدة لتعيد بها تشكيل الإقليم: إسرائيل كذراع عسكرية عقابية"- جيتي
"واشنطن اختارت أداة واحدة لتعيد بها تشكيل الإقليم: إسرائيل كذراع عسكرية عقابية"- جيتي
الضربة الإسرائيلية على الدوحة لم تكن مجرد مغامرة عسكرية فاشلة، بل كانت إعلانا صريحا عن ملامح سياسة جديدة تتشكل في الشرق الأوسط؛ سياسة ترتكز على معادلة واضحة: إسرائيل تنفّذ، وأمريكا تغطي. الأولى تفرض وقائع عسكرية تتجاوز الحدود والأعراف، والثانية تمنحها الشرعية أو تغض الطرف، بل وتشارك في إدارة التوقيت والسردية.

هذا التحالف الميداني لا يعني أن واشنطن فقدت أدواتها التقليدية، لكنه يكشف أنها اختارت أداة واحدة لتعيد بها تشكيل الإقليم: إسرائيل كذراع عسكرية عقابية. فمن لبنان إلى سوريا، ومن غزة إلى قطر، تتكرر الرسالة ذاتها: لا حصانة لدولة، ولا حصانة لوسيط، ومن يعترض على الرؤية الأمريكية- الإسرائيلية، سيجد نفسه هدفا مباشرا أو غير مباشر.

ما يحدث إذن ليس مجرد فصل جديد من الصراع العربي- الإسرائيلي، بل محاولة لتثبيت نمط جديد لإدارة المنطقة: العصا الغليظة أولا، والدبلوماسية كذيل لاحق. وهذا النمط، إن تُرك بلا رد، سيحوّل الشرق الأوسط إلى مسرح دائم للابتزاز والضربات المبررة بشعار "الأمن الإسرائيلي"

الخطورة أن هذه السياسة لا تصطدم فقط بالخصوم التقليديين لإسرائيل، بل تتعارض مع المصالح القومية لكل دول المنطقة تقريبا. فهي تضع سيادة الدول على المحك، وتقوّض أي دور وساطة، وتحوّل الشرق الأوسط إلى ساحة اختبار للهيمنة بدل أن يكون ساحة لتوازن المصالح. حتى الدول التي اعتادت أن ترى نفسها بعيدة عن خط المواجهة، اكتشفت أن الضربة على الدوحة يمكن أن تتكرر في أي عاصمة أخرى.

ما يحدث إذن ليس مجرد فصل جديد من الصراع العربي- الإسرائيلي، بل محاولة لتثبيت نمط جديد لإدارة المنطقة: العصا الغليظة أولا، والدبلوماسية كذيل لاحق. وهذا النمط، إن تُرك بلا رد، سيحوّل الشرق الأوسط إلى مسرح دائم للابتزاز والضربات المبررة بشعار "الأمن الإسرائيلي".

أمام هذا المشهد، تصبح الحاجة ملحّة لصياغة معادلة إقليمية مضادة. لا تفاصيل هنا بقدر ما هي خطوط عريضة: حماية سيادة الدول، وصون أدوار الوساطة، وبناء شبكة مصالح مشتركة تمنع استفراد أي طرف بالمنطقة.

باختصار، المطلوب هو حلف شرق أوسطي جديد، يضع مصلحة الشعوب واستقرار الدول فوق كل اعتبار، ويوقف توظيف إسرائيل كأداة تأديب في يد واشنطن.

السؤال لم يعد: هل تضرب إسرائيل من جديد؟ بل: أي عاصمة ستكون التالية؟ والإجابة تحددها إرادة دول المنطقة في أن تتحرك معا، قبل أن تتحول خريطة الشرق الأوسط إلى مشهد مفتوح بلا قواعد ولا حدود.
التعليقات (0)

خبر عاجل