سياسة عربية

فرنسا تنهي وجودها العسكري في السنغال بعد 6 عقود.. هل تحتفظ بنفوذ سياسي؟

نقطة تحول مهمة في التاريخ العسكري بين فرنسا والسنغال - جيتي
نقطة تحول مهمة في التاريخ العسكري بين فرنسا والسنغال - جيتي
سلمت فرنسا رسميا الخميس آخر قواعدها العسكرية للسلطات السنغالية، وذلك بعد أكثر من 6 عقود على الوجود العسكري الفرنسي في هذا البلد الغرب أفريقي.

وجرى تسليم آخر القواعد الفرنسية خلال مراسيم وصفت بالتاريخية في العاصمة السنغالية داكار، لتمثل بذلك نهاية للوجود العسكري الفرنسي في السنغال، بل وفي غرب ووسط أفريقيا.

وحضر مراسم تسليم معسكر "غي" الواقع في منطقة "أواكام" بداكار، رئيس أركان القوات المسلحة السنغالية الجنرال امباي سيسي، ورئيس قيادة الجيش الفرنسي في إفريقيا الجنرال ابّاسكال ياني، وكان المعسكر يضم مركز قيادة مشتركا، ووحدة للتعاون الإقليمي.

اظهار أخبار متعلقة



وقال رئيس أركان القوات المسلحة السنغالية الجنرال سيسي، إن هذه المراسم تمثل "نقطة تحول مهمة في التاريخ العسكري الغني والطويل بين فرنسا والسنغال".

من جهته قال رئيس قيادة الجيش الفرنسي في إفريقيا الجنرال ابّاسكال ياني، "نحن نجري تغييرا هيكليا لوجودنا في أفريقيا، هذا التغيير ضروري، علينا إعادة صياغة شراكاتنا في أفريقيا وهذا يتطلب نهجا مختلفا، علينا أن نتصرف بشكل مختلف، ولم نعد نحتاج إلى قواعد دائمة لهذا الغرض".

تاريخ الوجود العسكري الفرنسي

ويعود الوجود العسكري الفرنسي الدائم في السنغال إلى 1960  تاريخ استقلال البلاد عن فرنسا، حيث وقعت حينها فرنسا اتفاقيات دفاعية مع العديد من الدول الأفريقية بينها السنغال، بهدف ترسيخ سلطة القادة الجدد وتدريب جنودهم.

ووفق تقرير فرنسية تم نشر 20 ألف جندي فرنسي، خلال سبعينات القرن الماضي في العديد من البلدان الأفريقية، خصوصا السنغال، ثم تضاعف العدد بذلك وتضاعفت مهام الجيش الفرنسي هناك، لكن مع بداية العام 2012 تحولت مهام القوات الفرنسية في السنغال بشكل خاص إلى مهام تدريبية واستخباراتية.

نهاية لقب "شرطي أفريقيا"

وعلى مدى الـ60عاما الماضية ظلت فرنسا تلقب بـ"شرطي أفريقيا" نظرا لحجم انتشارها العسكري في القارة ودورها في حماية القادة الأفارقة الممسكين بالسلطة وتدريب الجيوش الأفريقية وإبقاء أفريقيا على ارتباط مستمر بباريس.

في هذا السياق يقول الصحفي المتابع للشأن الأفريقي، أحمد محمد فال، إن فرنسا فقدت بالفعل لقبها في القارة "شرطي أفريقيا" بمغادرة جنودها السنغال.

وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أن السنغال وساحل العاج والغابون والنيجر وجيبوتي وتشاد، كان ينظر إليها على أنها آخر قلاع فرنسا بالقارة الأفريقية.

ولفت إلى أن هذه الدول باستثناء جيبوتي والغابون، أمرت الجيش الفرنسي بمغادرة أراضيها وسط تحولات توصف بالاستراتيجية بالقارة الغنية بالموارد، ودخول لاعبين جدد أبرزهم روسيا وتركيا.

رفض شعبي أفريقي

ويأتي إعلان نهاية الوجود العسكري الفرنسي في السنغال، بعد فترة قصيرة من إغلاق الجيش الفرنسي قواعده العسكرية أيضا في كل من اتشاد، ومالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وإفريقيا الوسطى.

كما ينتظر أن تنهي فرنسا خلال أسابيع وجودها العسكري في ساحل العاج والغابون، على أن تبقي على 1500 جندي في قاعدتها العسكرية في جيبوتي بالقرن الأفريقي.

ووفق متابعين للشأن الأفريقي فقد أدركت فرنسا أن عليها إنهاء حضورها العسكري في أفريقيا، نظرا لتنامي الرفض الشعبي في القارة للحضور الفرنسي، والرغبة الشعبية الأفريقية في التوجه شرق نحو روسيا وتركيا وحتى إيران.

وقد استغلت روسيا سريعا هذا المزاج الشعبي الأفريقي وسارعت للتغلغل في القارة، وبدأت من منطقة الساحل الأفريقي عبر إبرام اتفاقيات عسكرية وتسليح جيوش دول المنطقة وتوفير الحماية لقادة دول غير مستقرة ويحكمها انقلابيون كما هو الحال في مالي وبوركينافاسو والنيجر.

اظهار أخبار متعلقة



وتعرف دول الساحل -التي يحكمها انقلابيون- سباقا نحو التسلح مع التركيز على الصناعات الروسية، ففي عام 2022 تسلمت باماكو دفعة من السلاح الروسي تضم طائرات ومروحيات عسكرية والكثير من الصواريخ المتنوعة، واستعان المجلس العسكري الحاكم بمجموعة فاغنر الروسية التي تقول بعض التقارير إن مالي تنفق عليها شهريا ما يربو على الـ10 ملايين دولار.

وأبرمت كل من النيجر وبوركينافاسو، صفقات للسلاح مع موسكو بهدف تعزيز قدراتهما العسكرية خاصة بعد خروج القوات الفرنسية والأممية من المنطقة.

هل تحافظ فرنسا على نفوذ سياسي؟

وبعد أن أنهت فرنسا وجودها العسكري بالسنغال وغالبية دول غرب ووسط أفريقيا، يتساءل متابعون للشأن الأفريقي حول ما إذا كانت باريس ستتمكن الحفاظ على دور سياسي وجزء من نفوذها الاقتصادي والسياسي في القارة.

في هذا الإطار بدأت فرنسا بالفعل العمل على خطة للحفاظ على موطئ قدم في أفريقيا الفرنكوفونية لخدمة مصالحها في القارة، من خلال تفعيل عمل المنظمة الدولية للفرانكفونية، والتي يقع مقرها في باريس وتضم في عضويتها 94 دولة، ويتمثل هدفها الاستراتيجي في تفعيل وتطوير اللغة الفرنسية والترويج لها.

ويقول الصحفي المتابع للشأن الأفريقي، أحمد محمد فال، إن تصريحات المسؤولين الفرنسيين تؤكد أن باريس لا تريد أن تخسر أفريقيا بشكل كامل.

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "فرنسا فهمت سريعا أنه لم يعد بإمكانها البقاء عسكريا في السنغال وباقي دول القارة الأفريقية، وسارعت بالانسحاب، لكن حجم حضورها الاقتصادي بدول مثل السنغال، يفرض عليها العمل للإبقاء على نفوذها السياسي".

وأوضح أن فرنسا قد تواجه متاعب في لعب دور سياسي كبير في السنغال بشكل خاص، نظرا لأن السنغال تدار حاليا من فريق يميل إلى إحداث توازن في علاقات السنغال الخارجية ما يعني تقليصا للدور الفرنسي.

وكان الرئيس السنغالي باسيرو دوماي فاي، قال في تصريحات سابقة، إن السنغال دولة ذات سيادة، والسيادة لا تسمح بوجود قواعد عسكرية في دولة ذات سيادة" مؤكدا أن الأمر ليس بمثابة قطيعة".

اظهار أخبار متعلقة



وبعد ذلك صرح رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونغو، بأن الوجود العسكري الفرنسي يمس سيادة السنغال واستقلالها الاستراتيجي، وهي تصريحات فهمت حينها على أنها تعني أن شكل العلاقة بين داكار وباريس، لن يبقى كما كان.

وفي العموم يجمع متابعو الشأن الأفريقي أن النظام الحاكم حاليا في السنغال يميل إلى نموذج لا يريد للعلاقة مع فرنسا أن تنهي بالشكل الذي حصل في مالي والنيجر وبوركينافاسو من خلال الأنظمة العسكرية، لكنه لا يريد لها أن تبقى أيضا بنفس الحالة، لكن هذا النموذج في النهاية يحد بشكل كبير من نفوذ فرنسا في أهم مراكزها في أفريقيا.

وعلى مدى الـ60 سنة الماضية ظلت فرنسا تضع يدها على العديد من ثروات القارة الأفريقية عن طريق الشركات الفرنسية العملاقة.

ووفق تقديرات بعض الخبراء، فإن 80 في المئة من كل ما يتم استخراجه من الموارد والثروات المعدنية في أفريقيا، يصدّر بإشراف فرنسي نحو القارات الأخرى.
التعليقات (0)