قضايا وآراء

بعد قصف المنشآت النووية الإيرانية.. هل دقت طبول حرب إقليمية؟

ظاهر صالح
"في ظل غياب موقف أوروبي أو أممي حازم، فإن الرسالة للعالم واضحة، القوة هي القانون"- عربي21
"في ظل غياب موقف أوروبي أو أممي حازم، فإن الرسالة للعالم واضحة، القوة هي القانون"- عربي21
لم يقتصر الدعم الأمريكي للكيان المحتل خلال الحرب الحالية على المال والسلاح والحشد السياسي الدولي، بل تعداه إلى انخراط الولايات المتحدة المباشر في الصراعات في المنطقة منذ الساعات الأولى لاندلاعها، وصولا إلى حرب الإبادة في غزة، وحتى يومنا هذا. لم تتخذ الولايات المتحدة موقفا محايدا بين طرفي الصراع، ولو حتى على المستوى اللفظي، فمن يسعى إلى تحقيق السلام بين المتنازعين، لا يمكن أن يسلح طرفا ويسعى إلى تجريد الطرف الآخر من أبسط وسائل القوة التي تمكنه من الدفاع عن نفسه، الأمر الذي يؤكد أن أمريكا تمارس خداعا وتضليلا سياسيا بات مكشوفا للعالم بأسره.

إن ما استدعى هذه المقدمة هو إعلان دونالد ترامب، فجر الأحد، عن تنفيذ الولايات المتحدة ضربات جوية ناجحة على ثلاث منشآت نووية في إيران، واصفا ذلك بأنه رد عسكري رائع يهدف إلى تدمير قدرة طهران على تخصيب اليورانيوم. ووفقا لتصريحاته، فإن المنشآت المستهدفة هي فوردو ونطنز وأصفهان، التي تُعد من الركائز الأساسية للبنية النووية الإيرانية.

يأتي هذا التطور في ظل توترات حادة تشهدها المنطقة، وسط تلميحات أمريكية "إسرائيلية" إلى ضرورة الحسم العسكري تجاه ما تعتبره واشنطن وتل أبيب تهديدا نوويا إيرانيا.

الضربات الجوية التي استهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان لا تُعد مجرد رد فعل عسكري عابر، بل تشكل في جوهرها إعلانا صريحا عن تحول واشنطن من ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية على إيران إلى تبني الخيار العسكري المباشر

لم يقتصر إعلان ترامب على تأكيد الضربات، بل تضمّن تهديدا مبطنا بشن عمليات عسكرية أشد إذا لم تسعَ إيران إلى السلام.

في المقابل، أكدت وسائل إعلام إيرانية تعرض المنشآت للقصف، مع الإشارة إلى أنها كانت "مفرغة" وخالية من المواد المشعة، وبينما تتوالى التصريحات، يقف العالم على أعتاب مواجهة إقليمية قد تتسع لتشمل نطاقات أوسع مما يتوقعه أحد.

الضربات الجوية التي استهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان لا تُعد مجرد رد فعل عسكري عابر، بل تشكل في جوهرها إعلانا صريحا عن تحول واشنطن من ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية على إيران إلى تبني الخيار العسكري المباشر.

وقد صرح ترامب عن نجاح العملية بشكل كامل، وأشار إلى استخدام قنابل خارقة للتحصينات تزن 30 ألف رطل، وهو ما يمثل سابقة خطيرة تنذر بتغيير قواعد الاشتباك في المنطقة.

وتزامن هذا الإعلان مع تسريبات من شبكتي "فوكس نيوز" و"نيويورك تايمز" تؤكد إطلاع مسؤولين في الكونغرس على العملية مسبقا، مما يدل على أن القرار كان مدروسا ومخططا له بعناية، وربما بموافقة "إسرائيلية" ضمنية أو حتى بشراكة استخباراتية.

إن تصريح ترامب بأن "إسرائيل" اليوم أكثر أمانا ليس مجرد رأي شخصي، بل هو اعتراف ضمني بالتنسيق "الإسرائيلي" الأمريكي في هذا الاعتداء، خاصة أن المواقع المستهدفة تُعد جوهر المشروع النووي الإيراني الذي تعتبره تل أبيب تهديدا وجوديا لها منذ سنوات، في حين التزمت القيادة الإيرانية صمتا حذرا وتجنبت إصدار تصريحات رسمية غاضبة على النحو المعهود، فاكتفت وسائل الإعلام الإيرانية بالتأكيد على أن المواقع المستهدفة خالية من المواد المشعة وأن الإخلاء قد تم سابقا، في محاولة واضحة لامتصاص الصدمة وطمأنة الرأي العام، لكن هذا الصمت لا يعني بالضرورة قبولا بالأمر الواقع، بل قد يشير إلى نية إيران الرد بطريقة مدروسة أو عبر أذرعها الإقليمية مثل حزب الله أو الحشد الشعبي في العراق، أو الحوثيين في اليمن.

وفي حال حدوث رد إيراني، فمن الممكن أن نشهد موجة جديدة من التصعيد، قد تشمل قصف قواعد أمريكية في الخليج، أو هجمات على مصالح "إسرائيلية"، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات حرب إقليمية شاملة، خاصة مع تزايد الاحتكاك العسكري في البحر الأحمر والعراق وسوريا.

هزيمة طهران أمام ما تراه غطرسة "إسرائيلية" قد يتبعه توسع "إسرائيلي" في المنطقة، وربما يمتد ليشمل دولا مجاورة كمصر والأردن، لكن المراهنة على صناعة السلام بالقصف تضع الإدارة الأمريكية، سواء الحالية أو القادمة، في مواجهة مع الحقائق التاريخية

الضربة الأمريكية، وإن كانت ناجحة عسكريا وفقا للرواية الأمريكية، إلا أنها تُمثل مقامرة استراتيجية غير محسوبة العواقب، فإيران لديها القدرة على الرد وإن كان ردا غير متماثل، وأي رد قوي سيضع الولايات المتحدة في موقف حرج، وقد يدفعها إلى دوامة لا نهاية لها من التصعيد.

ما جرى لا يمكن فصله عن المشهد الأوسع في الشرق الأوسط، "إسرائيل" تواجه مأزقا وجوديا في غزة، والولايات المتحدة تواجه تراجعا في نفوذها، وإيران تسعى إلى توسيع مجالها الاستراتيجي في العراق ولبنان وسوريا.

في هذا السياق، يتضح أن العدوان الأخير لم يكن مجرد ضربة، بل محاولة لإعادة صياغة قواعد اللعبة بالقوة، وإرسال رسالة مفادها أن البرنامج النووي الإيراني أصبح هدفا مشروعا، بالإضافة إلى ذلك، فإن هزيمة طهران أمام ما تراه غطرسة "إسرائيلية" قد يتبعه توسع "إسرائيلي" في المنطقة، وربما يمتد ليشمل دولا مجاورة كمصر والأردن، لكن المراهنة على صناعة السلام بالقصف تضع الإدارة الأمريكية، سواء الحالية أو القادمة، في مواجهة مع الحقائق التاريخية.

فالقصف لم ينهِ البرنامج النووي العراقي في التسعينيات، ولم يُسقط النظام السوري، ومن غير المرجح أن يؤدي إلى إخضاع إيران، بل على العكس، قد يزيد الهجوم من دعم الشعب الإيراني لبرنامجه النووي باعتباره مشروعا سياديا، ويشجع المتشددين على الرد عسكريا، بالإضافة إلى ذلك، يمثل العدوان الأمريكي ضربة قاصمة للشرعية الدولية، إذ لم يتم الرجوع إلى مجلس الأمن، ولم يُقدَّم أي دليل يثبت أن المنشآت المستهدفة تشكل خطرا وشيكا، وهذا يثير الذكريات بغزو العراق عام 2003، الذي استند أيضا إلى معلومات استخباراتية مضللة حول أسلحة دمار شامل لم يتم العثور عليها لاحقا.

في ظل غياب موقف أوروبي أو أممي حازم، فإن الرسالة للعالم واضحة، القوة هي القانون، ومن لا يملكها عليه تحمل القصف، حتى لو كانت منشآته النووية تخضع لرقابة وكالة الطاقة الذرية.

تعد الضربات التي أعلن عنها ترامب ضد المنشآت النووية الإيرانية أخطر تصعيد منذ سنوات، وقد تؤدي إلى انزلاق الأوضاع نحو حرب واسعة النطاق في الخليج والشرق الأوسط. هذا العدوان ليس مجرد عمل عسكري، بل هو إعلان سياسي بأن الولايات المتحدة، بالشراكة مع "إسرائيل"، قد اختارت طريق القوة والنار بدلا من الحوار.

فهل سيتم احتواء الموقف، أم أن العد التنازلي لحرب إقليمية قد بدأ؟
التعليقات (0)

خبر عاجل