"السور طاح" ليست فقط شهادة على مأساة ثلاث أطفال، بل على سقوط مشروع بأكمله، كان يُفترض أن يمنح الشعب التونسي كرامة وعدالة وحرية.
عاد الراب التونسي ليحتل واجهة التعبير
الشعبي الغاضب، حاملاً معه صرخة مجتمع أنهكته الأزمات، وأحبطته السياسات، وأفقدته
الثقة في أي تغيير. أغنية "السور طاح"، التي أطلقها مغني الراب التونسي guito'N، ليست مجرد
عمل فني بل زلزال لغوي ونفسي يهدم جدران الصمت، ويكشف هشاشة المنظومة، ويفضح
التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس ما بعد الثورة.
السور الذي سقط.. والطلاب الذين ماتوا
عنوان الأغنية "السور طاح" هو
استدعاء مباشر لحادثة مؤلمة شهدتها مدينة المزونة في محافظة سيدي بوزيد، حيث سقط
سور مدرسة وأدى إلى مقتل ثلاثة تلاميذ. هذا الحدث المأساوي يتحول في الأغنية إلى
رمز لانهيار الدولة، ليس فقط في بنيتها التحتية، بل في مسؤوليتها الاجتماعية
والأخلاقية، حيث يقول:
عبارات تصفع لا تسأل فقط عن المسؤول، بل
تُعرّي محاولة الدولة الدائمة للتنصل من واجباتها باسم "القضاء والقدر".
فساد، قمع، وموت الأحلام
الأغنية تنسج سردية شعبية مألوفة عن بلد
يعيش فوضى الأولويات، حيث تنفق الدولة على التسويق السياسي، بينما تغيب عن
مواطنيها المهمشين:
"مزونة تستنى
في الوزير.. بعثولها برشا شرطة"
"مش في ارضاية
ربي.. الفايدة في ارضاية ميلوني"
يهاجم الفنان هنا الدور المتزايد للسلطات
الأجنبية في تقرير مصير تونس، مع إشارة خاصة لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا
ميلوني، والملف الحارق للهجرة غير النظامية، الذي بات ورقة ضغط سياسي واقتصادي على
ظهر الفقراء.
الإمارات ومصر.. إسقاط حلم الثورة
في تعبير جريء ونادر، تلمّح الأغنية إلى دور
بعض الأنظمة الإقليمية في ضرب تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس:
رسالة مشفّرة لكنها واضحة: قوى الثورة
المضادة نجحت في تحييد حلم الديمقراطية، وإعادة إنتاج دولة قمع جديدة، بثوب
قانوني، وبرعاية إعلامية.
السلطة والإعلام.. شراكة في التضليل
ينتقد مغني الراب الطريقة التي تتعامل بها
السلطة مع الإعلام، حيث يتم تجميل الواقع وتزييف الحقائق:
"أغلاط
السلطة.. الميديا تحطها في دفتر الميزات"
إنها تهمة خطيرة موجهة مباشرة للمنظومة
الإعلامية المتواطئة، التي تتغاضى عن الكوارث، وتغطي على الفشل، وتبيع وهم
"الاستقرار" في بلد يعيش الانهيار.
انعدام الثقة.. وعودة الصوت الحر
أقوى رسائل الأغنية تتلخص في مقطعها الأخير:
"رصيد الثقة
بدا يوفا ما عادش يتحس.. والعصفور اللي ذاق طعم الحرية ما يرجع للقفص"
بهذه الكلمات، يُحذّر الفنان من الانفجار
الاجتماعي القادم، حيث لم يعد الناس يثقون في الشعارات أو النخب أو الوعود.
"السور طاح"، ليست مجرد أغنية، بل
مرآة لمجتمع فقد كل ما يمكن أن يخسره. "السور طاح" ليست فقط شهادة على مأساة ثلاث أطفال، بل على
سقوط مشروع بأكمله، كان يُفترض أن يمنح الشعب التونسي كرامة وعدالة وحرية. الأغنية
تُعيد الراب إلى مكانه الطبيعي: صوت من لا صوت لهم، وسلاح من لا سلاح لهم، ورسالة
من قاع المجتمع إلى قمة السلطة.