كتاب عربي 21

يهودي تونسي يضع النقاط على الأحرف: الصهيونية تساوي معاداة السامية

صلاح الدين الجورشي
"اكتشف أن القول بأن الصهيونية هي العدالة والمحبة؛ كذبة كبيرة"- جيتي
"اكتشف أن القول بأن الصهيونية هي العدالة والمحبة؛ كذبة كبيرة"- جيتي
اسمه "جيرار حداد" ومهنته طبيب، وعنوان كتابه الذي صدر مؤخرا باللغة الفرنسية "الصهيونية عنصرية واستعمارية". وجاء الكتاب ردا على ما يحدث في غزة، ووصف المرحلة الحالية بالحالكة، يصعب خلالها التفكير بحرية، متهما وسائل الاعلام الفرنسية بالانحياز، فإن شعرت بكونك صاحب رأي نقدي للسياسة الإسرائيلية ولست مدعوما من تل أبيب لا يمنحوك الفرصة للتعبير عن قناعاتك، ويتهمونك آليا بمعاداة السامية، ويقصونك من الفضاء العام بكل فاشية. لهذا طرح سؤالا وقرر الإجابة عنه بكل مسؤولية: كيف وصل الشعب اليهودي الذي عانى طيلة تاريخه الطويل من الاضطهاد إلى أن يتحول إلى شعب يضطهد شعبا آخر تربط بينهما علاقات أخوّة، حسب تعبيره؟

اعتبر الكاتب في حوار له أن الطغمة الحاكمة في إسرائيل فقدت الشعور بالإنسانية، وأقر بأنه كان في يوم من الأيام صهيونيا، وقضى ثلاث سنوات من عمره في إسرائيل، تألم خلالها كثيرا، وعايش الانتفاضة الأولى، مؤكدا على أنه يملك معرفة جيدة بالمجتمع الإسرائيلي، الذي يعيش تحت وقع التوترات الشديدة والمستمرة، وأنه مشحون بالكراهية المتبادلة بين مكوناته. واكتشف هناك أن القول بأن الصهيونية هي العدالة والمحبة؛ كذبة كبيرة. وأشار في هذا السياق إلى يهود روسيا وأوكرانيا الذين تم اتهامهم بالوقوف وراء اغتيال القيصر، وبناء عليه تعرضوا لحملة شرسة، وتم خلال هذه المحنة التفكير في نقلهم إلى الأرجنتين.

الطغمة الحاكمة في إسرائيل فقدت الشعور بالإنسانية، وأقر بأنه كان في يوم من الأيام صهيونيا، وقضى ثلاث سنوات من عمره في إسرائيل، تألم خلالها كثيرا، وعايش الانتفاضة الأولى، مؤكدا على أنه يملك معرفة جيدة بالمجتمع الإسرائيلي، الذي يعيش تحت وقع التوترات الشديدة والمستمرة، وأنه مشحون بالكراهية المتبادلة بين مكوناته

يعتقد السيد جيرار بأن الفلسطينيين قبلوا بكل تلقائية استقبال عشرات الآلاف من اليهود بنيّة بناء مجتمع واحد يستفيد من الإمكانيات الهامة لدى الطرفين، لكن الحركة الصهيونية رفضت ذلك بوسائل متعددة ذكرها الكاتب في كتابه، وتم إجهاض المحاولات التي قام بها بعض اليهود لإقامة جسور مع الفلسطينيين الذين يعمرون البلاد ويديرون شؤونها منذ قرون. وهكذا تحولت الصهيونية إلى أيديولوجية عنصرية معادية للسامية، واعتبرها الوليد الشرعي للغرب الذي يعتقد بأنه المالك الوحيد للحضارة، ويحتقر الشرق وشعوبه ويعتبرهم "برابرة". وكان جميع المثقفين الغربيين متفقون على هذا الرأي بمن فيهم كارل ماركس نفسه، كما أن هؤلاء اليهود الروس والبولونيين بالذات كانوا بدورهم يحتقرون يهود الشرق، ويتعاملون معهم باحتقار.

لم يكتف جيرار بذلك، بل ضرب مثالا بأحد اليهود الألمان الذي اعتبر السابع من أكتوبر عملا ثائرا ضد سياسة الهيمنة التي تمارسها إسرائيل، فانقلب عليه الصهاينة الفرنسيون، وعملوا على عزله. لهذا اعتبر المؤلف أن الموقف الألماني مقدوح فيه، وبالنسبة للموقف الفرنسي حدّث ولا حرج. كما اعتبر الكتاب الذي ألفه هرتزل عن "الدولة اليهودية" كتابا سخيفا ومقلقا وبيروقراطيا، مؤكدا بالخصوص على أن جميع اقتراحاته لم يقع العمل بها. أمام بالنسبة للحركة الصهيونية العالمية، فاتهمها بالسلطوية المفرطة، حيث لم تعط للمنتسب حرية التفكير، وأجبرته على الخضوع والتنفيذ فقط.

يعتقد المؤلف بأن الصهيونية هي أحد أبرز تيارات الحركة الصهيونية، وما تمزت به أنها الوحيدة التي مسكت السلطة وسحقت البقية لتنفرد بالقيادة. ويرى أن قوتها تكمن في قدرتها على الدعاية وفق هيكلية فريدة من نوعها في العالم، حيث جمعت بين التلمود والتاريخ الروماني والمحرقة وأشياء أخرى. واعتبر أن منظومة الكيبوتس تحمل في طياتها بعدا عنصريا، فهي رغم طابعها الاشتراكي والتعاوني تُقصي العرب بمن في ذلك اليهود من أصل عربي،
اعتقد المؤلف بأن الصهيونية نجحت في خلق إنسان يهودي جديد، وذلك من خلال تغيير القيم اليهودية، فتحول حب الدراسة إلى حب المؤسسة العسكرية، وهو ما أوصلنا إلى هذه الحالة الجنونية في غزة ولبنان. وبما أني طبيب نفساني، أعتقد بأن هذه الحالة لها أسبابها، وهي ناتجة عن انفصال الصهيونية عن واقع اليهودية
وهو ما جعل مسؤولا إسرائيليا يتساءل ذات مرة "ما الذي يجمعني بهؤلاء العرب"، ويقصد كل العرب بمن فيهم اليهود، ناسيا مكانة شخصية ابن ميمون الذي لعب دورا هاما في العهد الأندلسي.

صحيح أن اليهود حسب قوله لم يكونوا على أفضل حال في العالم الإسلامي، لكن الأكيد أنهم لم يتعرضوا للإبادة التي عُرفت في العهد البيزنطي، ثم انتقلت إلى المسيحية الكاثوليكية. أما في العالم الإسلامي فكان اليهود يخضعون لنظام الذمة الذي هو أقل درجة من المسلمين، لكن كانت لهم حقوقهم ومؤسساتهم، وتقع حمايتهم من قبل الدولة، ويمارسون عقائدهم، وهو ما لم يكن متوفرا في المجتمعات المسيحية، وذكر أن مؤرخا إسرائيليا اعتبر بأن الإسلام هو الذي أنقذ اليهودية من الانقراض. وقال جيرار إن الأتراك فعلوا خيرا عندما احتلوا القسطنطينية وقضوا على البيزنطيين الذين يؤمنون بضرورة استئصال اصحاب الديانات الأديان الأخرى وفي مقدمتهم اليهود.

اعتقد المؤلف بأن الصهيونية نجحت في خلق إنسان يهودي جديد، وذلك من خلال تغيير القيم اليهودية، فتحول حب الدراسة إلى حب المؤسسة العسكرية، وهو ما أوصلنا إلى هذه الحالة الجنونية في غزة ولبنان. وبما أني طبيب نفساني، أعتقد بأن هذه الحالة لها أسبابها، وهي ناتجة عن انفصال الصهيونية عن واقع اليهودية وعن الواقع المحلي والإقليمي. والغريب أنه في العالم الغربي لا أحد يسعى بجدية نحو وضع حد لهذا الجنون وإيقافه.

هذه قراءة أحد اليهود التونسيين المعادين للصهيونية، وهو ليس الوحيد.
التعليقات (0)

خبر عاجل