هناك خطوتان يجب أن تتحققّا في اللحظة الراهنة التي تعيشها الأمة
العربية، وذلك لأنهما مدخلان رئيسيان لتحقق أية أحلام وأهداف كبرى مستقبلية. واحدة من الخطوتين تتعلق بالنظام الرسمي العربي، والثانية تتعلق بالمجتمعات المدنية العربية.
أولاً، في غياب أو تراجع الحماس الرسمي العربي لأية خطوات وحدوية أو تضامنية ما بين الأقطار العربية، كما كان الحال في الخمسينيات من القرن الماضي، وبسبب الضمور أو التشّوه الذي حل بالتجمعات العربية، مثل الاتحاد المغاربي الذي يحتضر، أو حتى مجلس
التعاون الخليج، الذي يترنّح تحت الهيمنة الخارجية، أو ذلك العبث من هذه الجهة الداخلية أو تلك، أصبح الطريق الوحدوي العربي الرسمي الباقي هو طريق الجامعة العربية.
ولكي يكون طريق الجامعة العربية طريقاً يقود إلى مشاريع تكاملية وتضامنية وحدوية عربية، أو يبني ويقوي شتّى أنواع الأمان العربي، في وجه المؤامرات والانتهاكات الاستعمارية الصهيونية المتعاظمة، لا بد من البدء بجعل الجامعة العربية قوية وفاعلة وكفؤة، بعد أن أصابها مؤخراً الوهن والعجز وقلة الحيلة. وهذا سيستدعي إجراء إصلاحات جذرية لأهداف وتركيبات الجامعة، تجعلها قادرة على طرح المبادرات، من دون انتظار هذه الدولة العضو، أو تلك لتقوم بذلك، وبالتالي جعلها تملك حقوقاً قانونية وسياسية أكبر، وتتحمل مسؤوليات أثقل بكثير، أي جعلها مؤسسةَ فعلٍ في الواقع العربي، وليس مؤسسة كلام فقط، كما فرض عليها طيلة تاريخها.
وأعتقد أن هذه الخطوة يمكن بدؤها بأحد الطريقين التاليين: قيام أحد أو مجموعة من الدول الأعضاء، بطرح اقتراح إجراء ذلك الإصلاح، أو قيام الجامعة العربية نفسها بدعوة مجموعة من المفكرين والمثقفين والمناضلين السياسيين العرب، ومن بعض المؤسسات العربية البحثية، المشهود لها بالبحوث الرّصينة، من أجل تدارس الأمر ووضع تصور متكامل عن عملية الإصلاح، ومن ثم تقديمه لمجلس الجامعة لمناقشته وتفعيله. إن جامعة جرى إصلاحها وتوسعة مسؤولياتها، وتجديد روحيتها وأنشطتها، وربط أهدافها بتغيير الواقع العربي المريض المجزّأ المنتهك يومياً من أوروبا والكيان الصهيوني، ومع الأسف من بعض دول الإقليم المجاورة، هي المدخل الوحيد الرسمي المتبقي حالياً. من دون ذلك فإن مستقبل الوجود العربي في هذا الإقليم سيكون غامضاً ومعرّضاً لمخاطر خارجية جمة، وهو ما يجب أن تعيه كل أنظمة الحكم العربية، وذلك قبل أن تنفجر حمم الغضب في وجوهها. وأتمنى أن يساهم بعض الأخوة من المفكرين والكتاب والمثقفين، في مناقشة صواب أو خطأ أو مشاكل هذا الاقتراح المتصّور.
ثانياً، إن تضعضع وضعف الكثير من الأحزاب والحركات القومية الوحدوية في منشئها القطري، وامتداداتها القطرية، عبر الخمسين سنة الماضية قد قاد إلى فراغ سياسي وحدوي، ملأته قوى حاملة لشعارات أخرى غير وحدوية التوجه. لقد تراجع الزخم النضالي الوحدوي كثيراً، وتكالبت عليه قوى الاستعمار والصهيونية تشويهاً وإخراجاً من الذاكرة الجمعية الشعبية العربية، خصوصاً بعد أن تساقطت عدة أنظمة حكم عربية رافعة لشعار الوحدة العربية، وداعمة لقوى المجتمعات العربية القومية.
وهكذا فمثلما أن المجال العربي الرسمي يحتاج إلى تفعيل الجامعة العربية، لإعادة الحياة للتوجهات الوحدوية التكاملية كخطوة أولى، فكذلك ستحتاج المجتمعات العربية المدنية لتكوين حركة أو جبهة شعبية تنسيقية تضامنية يحسب لها ويشعر بوجودها المجتمع الدولي وترجع التوازن ما بين الدولة والمجتمع.
هذان مثلان من خطوات، إن فُعّلت ولم تترك في سكونها الحالي المخجل، فإن الأمل هو الانتقال إلى الأهداف الكبرى للأمة وللزّخم الجماهيري الضروري للخروج من الموت البطيء الذي نعيشه.
(القدس العربي)