تعيش كوديفوار
(
ساحل العاج) على إيقاع أزمة سياسية، خلال الفترة الحالية، حيث يخشى عدد من المراقبين من أن تتطوّر إلى
صراع مسلح أو تعود بالبلد الغرب أفريقي إلى الحرب الأهلية التي عانى منها لسنوات.
وتأتي الأزمة
السياسية التي بدأت تتفاعل منذ أيام، في وقت تستعد فيه البلاد لانتخابات رئاسية
مقررة في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل؛ وتعتبر مفصلية في تاريخ البلد الذي يعرف بكونه مُثقلا بالانقلابات
العسكرية والصراع على السلطة.
ويرى مراقبون
للشأن الأفريقي أنّ: "الحملة الانتخابية الرئاسية، بدأت عمليا في البلد رغم أن
الانتخابات مقررة يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل"، مؤكدين أنّ: "حجم الاستقطاب
والشحن الحاصل ينذر بصيف ساخن في هذا البلد الأفريقي".
"إقصاء المعارضة"
في هذا السياق
قال المتحدث باسم حزب "المؤتمر الوطني من أجل العدالة ومساواة الشعوب"
المعارض، سيرج أوراغا، إنّ: "النظام يتبع منطق الإقصاء المنهجي والممنهج
للمعارضين السياسيين من
الانتخابات الرئاسية لعام 2025".
وعبر أوراغا، في تصريحات
صحفية، عن أمله في أن يعود النظام إلى "رشده، ويجلس إلى طاولة الحوار، لنتمكن
من حل هذه المشاكل معا، وقبل كل شيء منح جميع الإيفواريين فرصة لاختيار من يشاؤون
لقيادة هذا البلد".
وأضاف بأنّ: "حزبه
كان يتوقع من
النظام القضائي لساحل العاج أن يصحح خطأه وظلما تسبب فيه هو
بنفسه"، وذلك ردا على عدم السماح لرئيس الحزب، شارل بليه غوديه، بالترشح
لرئاسيات 25 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
وكانت المحكمة
الابتدائية في "غانيوا" قد رفضت قبل أيام استئنافا تقدّم به الحزب، من
أجل السماح لرئيسه بالترشح، معتبرة أنه: "يواجه حكما بالسجن 20 عاما على إثر تهم
تتعلق بأزمة الانتخابات في عامي 2010 و2011".
وفي المقابل، اعتبر حزب المؤتمر الوطني، أنّ: "تبرئة رئيسه من طرف المحكمة الجنائية الدولية، التي سلمه لها
نظام الرئيس الحالي الحسن واتارا، كافية للسماح له بالتسجيل على اللائحة
الانتخابية، والترشح للرئاسة".
اظهار أخبار متعلقة
دعوة لاحتجاجات
واسعة
في سياق الأزمة
السياسية المتفاقمة، دعا الرئيس الإيفواري السابق، لوران غباغبو، إلى مظاهرات واسعة
في البلد تحت شعار "كفى".
وعبر غباغبو، عن
تضامنه مع القيادي المعارض، تيجان تيام، رئيس الحزب الديمقراطي لساحل العاج، الذي
أمر القضاء، خلال الآونة الأخيرة، بالشطب على اسمه من اللائحة الانتخابية، وذلك بعد إعلانه الترشح
للانتخابات الرئاسية.
إلى ذلك، حثّ غباغبو، وهو الذي
تعرض لذات القرار، حزبه السياسي، حزب الشعوب الأفريقية- ساحل العاج،
على "تنظيم حركة احتجاج واسعة".
وأبرز أنّ: "الرئيس
الحالي الحسن وترا، يرتكب أخطاء سياسية خطيرة"، مضيفا أنّ: "النظام يضطهد
المعارضة بشكل واضح وخطير". فيما شدّد على "ضرورة إنشاء هيئة انتخابية مستقلة، ومراجعة
اللائحة الحالية وتعديلها قبل الانتخابات".
حرمان معارضين
من الترشح
إلى جانب الشطب
على اسمي تيام وغباغبو من اللائحة الانتخابية، تم كذلك استبعاد الوزير الأسبق
شارلي بلي غوديه، ورئيس الوزراء الأسبق المقيم بالمنفى غيوم سورو، بسبب إدانات
قضائية، وهو ما اعتبرته المعارضة "استهدافا يرمي إلى قطع الطريق أمام
منافستها في الانتخابات الرئاسية".
ولم يعلن بعد
الحزب الحاكم في ساحل العاج عن اسم مرشحه للرئاسة، لكن الرئيس الحسن واتارا، والذي
يتولى السلطة منذ عام 2011، قال في وقت سابق إنه: "راغب في مواصلة خدمة
البلاد"، وهو ما فُهم على أنه يخطط بالفعل للترشح لولاية رئاسية رابعة.
اظهار أخبار متعلقة
منظومة حكم
متآكلة
يرى الخبير
المختص في الشؤون الأفريقية، ولد محمد المصطفى، أنّ: "المشهد السياسي الحالي في ساحل العاج هو جزء
من المشهد العام في غرب أفريقيا عموما الذي يتميز بحالة من الاحتقان".
وأضاف المصطفى في تصريح
لـ"عربي21": "نحن أمام مشهد في طور التحول بالعديد من بلدان غرب أفريقيا بما فيها ساحل العاج، حيث منظومة الحكم متآكلة والمشهد متأزم في عمومه".
واعتبر أنّ: "ما
يخوضه الرئيس الحسن وترا، حاليا هو حرب خاسرة وتجربة مكررة، حيث تعمل
الأنظمة على استهداف ما يمكن أن يشكل بديلا عنها متجاهلة تآكلها الذاتي وبالتالي
تكون تعمل من منطق أنا أو الطوفان".
مخاطر داخلية
أوضح ولد محمد
المصطفى، أنّ: "النظام الحاكم في ساحل العاج يواجه مخاطر بحكم عوامل متعددة ذاتية
وبنيوية تجعل من الصعب عليه الاستمرار، لذلك يعمل على سحق معارضيه بقوة".
واعتبر أنّ: "الرئيس الحالي الحسن وترا، ورغم أنه لم يعلن حتى الآن عن ترشّحه لولاية رابعة
فإن المؤشرات بما فيها حراك مناصريه وقيادة حزبه وحتّى في تعاطيه مع الساحة
السياسية، يثبت أنه يسعى لهذه الولاية وأنه مصر على حسم التنافس مع خصمه حتى قبل
بدء التنافس عبر أدوات مختلفة قضائية أو سياسية".
ولفت إلى أنّ: "طبيعة الأنظمة في غرب أفريقيا إسقاطها سهل إذا توفرت الديمقراطية، لذلك هذه
الأنظمة تلجأ إلى الاستهداف والتخويف وحتى إسقاط الجنسية عن منافسيهم، ولا تترك
فرصة للتناوب الديمقراطي".
قلق من العودة
للحرب الأهلية
بحسب ولد محمد
المصطفى، فإنه "في ظل هشاشة الوضع الإقليمي عموما، والتوتر في ساحل العاج،
والتحول الذي تعيشه المنطقة، لا يستبعد أن تكون الانتخابات سببا في عودة التوتر
لهذا البلد الذي عرف عدة أزمات كان آخرها 2010 –2011".
واعتبر أن إغلاق
باب التناوب السلمي على السلطة يفتح التنافس عليها عبر الطرق الخشنة، ودفع الجماهير لأساليب غير سلمية. وبخصوص ما إذا
كانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" قادرة على احتواء
الأزمة السياسية في ساحل العاج، رأى أن دور هذه المجموعة بات محدودا في احتواء
أزمات البلدان الأعضاء بها.
اظهار أخبار متعلقة
وتابع:
"المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا كانت لها أدوار في الماضي في استعادة
الأنظمة الديمقراطية وحمايتها ومنع الانقلابات في المنطقة لكن خلال السنوات
الأخيرة دخلت مرحلة استقطاب أثرت على دورها".
وأوضح بأنّ: "تراجع
دور المجموعة قد ازداد بعد انهيار النفوذ الفرنسي في المنطقة، حيث أضحت تعيش
حالة استقطاب بين دول توصم بأنها مجرد أدوات فرنسية تنفذ من خلالها باريس أجنداتها
وتضرب بها خصومها، وبين دول لديها مستوى من الاستقلالية بل وحتى الخصومة مع فرنسا".
واعتبر أن
"أقوى ضربة تلقتها المجموعة هي انسحاب ثلاث دول منها، هي: مالي والنيجر
وبوركينافاسو وتلويح دول أخرى بالانسحاب"، مردفا: "هذه الهزات أثرت وتؤثر على انسجام المجموعة وعلى قوة قراراتها وصرامتها في
تنفيذ أجنداتها ما يحد من دورها في حل الأزمات، بما فيها الأزمة التي تلوح في الأفق
بساحل العاج".
وتأسست المجموعة
الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) سنة عام 1975 بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية
بين أعضائها. فيما تضم المنظمة 15
دولة أفريقية هي: غامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون
وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو والرأس الأخضر.
اظهار أخبار متعلقة
ماض مع الحروب
الأهلية
عرفت ساحل
العاج حروبا أهلية بسبب أزمات سياسية، كانت أشدها الحرب الأهلية التي عرفتها
البلاد في الفترة من 2002 إلى 2005 وكان للسياسيين دور كبير في تأجيجها، حيث قتل
في هذه الحرب المئات.
وطيلة هذه الحرب
كانت البلاد منقسمة إلى جزأين، الشمال الخاضع لسلطة المتمردين، والجنوب الخاضع
لسلطة الحكومة.
وتقع ساحل العاج في غرب أفريقيا وتحدها شرقا غانا، وغربا غينيا وليبيريا، وشمالا مالي وبوركينا فاسو،
وتطل على البحر من الجنوب عبر خليج غينيا والمحيط الأطلسي. تعد من بين الدول الأفريقية الغنية بالنفط والغاز الطبيعي بالإضافة إلى مجموعة من المعادن
على رأسها الحديد، النحاس.