تدحرجت
الأزمة بشكل سريع بين
الإخوان والسلطات الأردنية بعد إعلانها عن ضبط خلية لتصنيع
الصواريخ والطائرات المسيّرة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. الحكومة اتهمت الخلية
بأنها كانت تسعى إلى استخدام تلك الأسلحة المصنّعة لاستهداف منشآت حيوية في الداخل
الأردني، مدللة على ذلك بأن الصواريخ مداها لا يتجاوز 5 كيلومترات، بينما سارعت
جماعة الإخوان إلى التبرؤ من الفعل واعتباره أخطاء فردية لأفراد من الجماعة ولا
يشكل منهج الحركة ولا أسلوب عملها السلمي، إلا أنها في ذات الوقت بررت الفعل بأنه
جاء لنصرة المقاومة داخل فلسطين. تبع ذلك بيان لحركة حماس يطالب الحكومة الأردنية
بإفساح المجال لنصرة القضية الفلسطينية، وتبعه بيان منسوب للتنظيم العالمي للإخوان
يدعم خيار الشباب في دعم القضية الفلسطينية، ذات الأمر أكد عليه الشيخ رائد صلاح رئيس
الحركة الإسلامية في مناطق عرب 48.
خطوات متصاعدة وحسم مبكر
منذ
الساعات الأولى للإعلان عن ضبط الخلية، اتهم الناطق الإعلامي للحكومة جماعة
الإخوان ووصفها بالجماعة المنحلة، ليتم بث اعترافات الخلية الإخوانية عن التهم
المنسوبة إليهم، وأعلن بعضهم ارتباطه بجماعة الإخوان.
بعد
ذلك، بدأت الماكينة الإعلامية للحكومة الأردنية عبر الفضائيات في التحشيد ضد
الخلية وضد جماعة الإخوان المسلمين، مركزة على عدة أمور، فكانت تُكرر بشكل يومي
بأن الإخوان يسعون لوجود أكثر من سلاح في الدولة الأردنية، وأن وجود أكثر من سلاح
يعني فشل الدولة وفشل الأمن والاستقرار فيها. كما كانت تركز الحملة الإعلامية
الحكومية على أن الإخوان يريدون أن يعتدوا على صلاحيات الملك في إعلان السلم
وإعلان الحرب من خلال حيازتهم على صواريخ يعلنون أنهم يريدون أن يستخدمونها ضد
الكيان الصهيوني، وأن مثل هذا القرار يمكن أن يدخل الأردن في حرب لا تريدها الدولة،
ويعيد للأذهان معركة الكرامة التي شنها الكيان الصهيوني في عام 1968 من أجل احتلال
الغور الأردني بحجة القضاء على المقاومة الفلسطينية التي كانت منتشرة في منطقة الغور
الاردني في ذلك الوقت.
بعد أن أعلنت الحكومة عن اكتشاف الخلية، بدأت ترتفع أصوات الرافضين للإصلاح السياسي من جديد، وتنادي بحل البرلمان وإعادة النظر بكل منظومة الإصلاح السياسي، لترتفع أكثر مطالب هؤلاء بعد حظر جماعة الإخوان المسلمين، مطالبين بالتراجع عن خطة الإصلاح السياسي بالكامل
كما ركزت الحملة الحكومية على أن السلاح كان يُراد استخدامه
في الداخل الأردني وضد منشآت حيوية، وذهب بعض الإعلاميين للتلميح إلى أن الصواريخ
كان الهدف منها استهداف طائرة العاهل الأردني. وهذا ما كانت تنفيه جماعة الإخوان
المسلمين وترفضه بشدة، وخلال كل تلك الحملة الإعلامية الحكومية كان هناك تغييب تام
لأي من المدافعين عن وجهة نظر الإخوان المسلمين.
انتقلت
الحكومة من معركة الإعلام ضد الإخوان لتذهب إلى المؤسسة التشريعية لإدانة الإخوان،
وعلى لسان أعضاء مجلس النواب، في ذات الوقت أُعطي الوقت لنواب الإخوان وحزبهم، حزب
جبهة العمل الإسلامي، للدفاع عن أنفسهم وتوضيح وجهة نظرهم بالقضية، بعد جلسة
المجلس توترت الأجواء السياسية في البلاد وسادت حالة من التكهنات المستقبلية في كل
اتجاه.
انتهى
المشهد بعد ذلك بخروج وزير الداخلية الأردني مساء يوم 23 نيسان/ أبريل 2025 ليعلن
حظر جماعة الإخوان وكل ما يترتب على هذا القرار من آثار قانونية، لتبدأ حملة
مداهمات لمقرات حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين،
وتتم مصادرة الوثائق الخاصة بالجماعة وجميع مقتنياتها الإلكترونية، ثم ليعقب ذلك
حملة اعتقالات ضيّقة حتى الآن؛ طالت بعض أعضاء المكتب التنفيذي للجماعة أبرزهم
نائب المراقب العام وبعض الشخصيات التي يرى البعض أنها كانت تمسك ببعض الملفات
المالية للجماعة.
وذهبت
كل محاولات الوساطة بين الجماعة والدولة أدراج الرياح في ظل وجود قرار حاسم في
الذهاب بهذا الملف في هذا الوقت إلى النهايات، رغم أن الخلاف بين جماعة الإخوان
والدولة الأردنية بدأ منذ عام 1993، لتسوء العلاقة أكثر في أثناء الربيع العربي
وما تلا ذلك من انشقاقات كبيرة في الجماعة في عام 2015 لتصبح خمسة كيانات سياسية.
وأصدر
القضاء الأردني في حزيران/ يونيو 2020 قرارا قضائيا نهائيا باعتبار جماعة الإخوان
المسلمين جماعة منحلة منذ عام 1956 حكما، إلا أن القرار لم ينفذ، وبقيت الدولة
الأردنية تتعامل مع الإخوان بحكم الأمر الواقع وسمحت لهم بخوض الانتخابات باسمهم
واسم حزب جبهة العمل الإسلامي، وحصدوا فيها ثلث أصوات الناخبين.
توجس وتربص في مسيرة الإصلاح السياسي
منذ
أن أعلن العاهل الأردني عن تكليف رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي بتشكيل لجنة
لوضع خارطة طريق للتحديث السياسي وتعديل قانون الانتخاب وقانون الأحزاب ومواد
الدستور الخاصة بالتحديث السياسي، بدأت ماكينة التيار الرافض للإصلاح السياسي في
محاولات إفشال تلك اللجنة أو التأثير على نتائجها ومخرجاتها. فتمت مهاجمة بعض
أعضاء هذه اللجنة، واستُخدم التحشيد السياسي والديني ضد أعضاء اللجنة قبل أن يتدخل
الملك ويؤكد دعمه الكامل لعمل اللجنة ومخرجاتها، وتعهد بضمانه شخصيا لتطبيق
مخرجاتها.
بعد
الحسم الملكي لدعم مسيرة الإصلاح السياسي، استسلم التيار المناوئ لذلك، والذي يرى
في الديمقراطية خطرا يهدد نفوذه السلطوي، وفي الحرية خطرا يهدد الهوية الوطنية من
وجهة نظره، كما يعتبر الانفتاح السياسي نقيضا للأمن. هؤلاء استسلموا أمام الحزم
الملكي في الإصلاح السياسي، لكنهم كانوا يثيرون المخاوف بين الحين والآخر من هذا
الإصلاح ومآلاته.
وأتت
بعد ذلك حزمة من التعديلات الدستورية المقدمة من الحكومة لجمع صلاحية تعيين بعض
المناصب السيادية في الأجهزة الأمنية (قائد جيش ومدير مخابرات ومدير الأمن العام
ومفتي المملكة) بيد العاهل الأردني. وبذلك استطاعت هذه التعديلات أن تهدئ مخاوف
الرافضين للإصلاح السياسي، وفي ذات الوقت أن تهيئ المناخ لتمرير أكبر جرعة إصلاح
سياسي عرفتها المملكة منذ تأسيسها، وتفضي إلى حكومة برلمانية في عام 2032.
جرت
أول انتخابات برلمانية في خريف العام الماضي، وحصلت جماعة الإخوان المسلمين
وذراعها السياسي على أكثر من 450 ألف صوت في القوائم الحزبية، لتحصد 23 في المئة
من مقاعد المجلس، مما دفع التيار المتربص بالإصلاح السياسي إلى الاستنفار من جديد،
وبدأت الإشاعات تتسرب عن حل مجلس النواب وتقديم مقترحات وبصيغ مختلفة من أجل
التراجع عن مسار الإصلاح السياسي وتفريغه من مضمونه بحجة مواجهة الإسلام السياسي،
إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث، بل كانت كل التأكيدات الرسمية تتوارد من صانع القرار
بأنه لا تراجع عن خطة التحديث السياسي.
استغلال أحداث الخلية لإنهاء الإصلاح السياسي
بعد
أن أعلنت الحكومة عن اكتشاف الخلية، بدأت ترتفع أصوات الرافضين للإصلاح السياسي من
جديد، وتنادي بحل البرلمان وإعادة النظر بكل منظومة الإصلاح السياسي، لترتفع أكثر
مطالب هؤلاء بعد حظر جماعة الإخوان المسلمين، مطالبين بالتراجع عن خطة الإصلاح
السياسي بالكامل، وبرروا بأن الظرف السياسي المضطرب في المنطقة لا يسمح بمثل تلك
القفزة السياسية الكبيرة، وأن الإصلاح السياسي يعني تسليم الدولة إلى من لا يحسنون
إدارتها ولا يهتمون بأمنها ومستقبلها، ويرتهنون للخارج ومشاريعه العابرة للحدود.
القلق الذي ينتاب النخب السياسية الأردنية الحريصة على استمرار مسيرة الإصلاح السياسي هو سعي خصوم الاصلاح السياسي للإجهاز على عملية التحديث السياسي بالكامل، وإعادة الأردن إلى مملكة شمولية أو ديمقراطية شكلية لا قيمة لمخرجاتها في إدارة الدولة وحكمها، محذرين من أن ذلك لو تحقق، فسيلقي بظلال سيئة جدا على عملية التحديث السياسي ومستقبل البلاد واستقرارها
رغم
كل الضجيج السياسي، تبقى كل الاحتمالات واردة فيما يتعلق بحل حزب جبهة العمل
الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بعد أن تتكشف أكثر تفاصيل
الاعترافات في قضية الخلية المعروضة أمام المحاكم العسكرية حاليا، وبعد تفتيش
مقرات الإخوان والتداخل بينها وبين حزب جبهة العمل الإسلامي، إلا أن حل البرلمان
أصبح خيارا مستبعدا حتى الآن، خاصة مع وضوح قانون الانتخاب الذي يحدد كيفية انتقال
مقاعد الحزب الذي يحل إلى الأحزاب التي تليه.
القلق
الذي ينتاب النخب السياسية الأردنية الحريصة على استمرار مسيرة الإصلاح السياسي هو
سعي خصوم الاصلاح السياسي للإجهاز على عملية التحديث السياسي بالكامل، وإعادة
الأردن إلى مملكة شمولية أو ديمقراطية شكلية لا قيمة لمخرجاتها في إدارة الدولة
وحكمها، محذرين من أن ذلك لو تحقق، فسيلقي بظلال سيئة جدا على عملية التحديث
السياسي ومستقبل البلاد واستقرارها من عدة وجوه:
-
التراجع عن التحديث السياسي يعني أن تبقى الدولة تُحكم من مجموعة من الحكومات
والنخب السلطوية، والتي أوصلت الأردن إلى الحالة الاقتصادية المتردية والرثة التي
تعاني منها، والتي بلغت فيها البطالة والفقر والمديونية أرقاما قياسية لم يصل
إليها الأردن من قبل، وهي حالة اقتصادية تهدد استقرار الدولة وأمنها ومستقبلها.
-
التراجع عن التحديث السياسي يعني أن تدفع المهتمين بالشأن العام إلى حالة من خطاب
التيئيس السياسي الذي سوف يدفعهم للنزول إلى الشارع، وبذلك ينتقل الحوار والنقاش
من تحت قبة البرلمان والتدافع لتشكيل الحكومات البرامجية إلى الشارع بسقوف وشعارات
لا يمكن ضبطها ولا يمكن التنبؤ بمآلاتها النهائية.
-
التراجع عن التحديث السياسي أو تفريغه من مضمونه هو اعتداء على ضمانات الملك لتلك
المخرجات، فمشروع الإصلاح السياسي مشروع الملك، والعبث به عبث بمشروع الملك، ولذلك
آثار سلبية كبيرة.
-
التبرير الذي يسوقه البعض بالانتقاص من الإصلاح السياسي من خلال الإشارة إلى
مخرجات مجلس النواب الحالي والحالة الحزبية المتردية الموجودة تحت القبة، لكن
البعض يرد على هؤلاء بأن المخرجات الحزبية الحالية نتاج طبيعي لحالة التجريف
السياسي للنخب السياسية على مدار ثلاثة أرباع القرن من تعطيل الحياة السياسية
الحقيقية، وأن الشعوب وحتى الأحزاب تنضج بالتجربة لا بالحرمان والمنع والتجريف.
رغم
كل المؤشرات على استمرار الإصلاح السياسي القائمة، وخصوصا دعم الملك لهذا المشروع،
لكن خصوم الإصلاح السياسي يمثلون حالة خطر كبيرة تهدد استقرار الأردن السياسي عند
كل منعطف تمر فيها البلاد، وهؤلاء خطرهم لا يقل عن خطر تعريض أمن البلاد الخارجي
للخطر.