صحافة دولية

كشف تفاصيل تجارة النفط غير المشروعة التي تُبقي ليبيا منقسمة

 تهريب الوقود المدعوم وبيعه في الخارج يساعد على دعم الفصائل السياسية المتنافسة- جيتي
تهريب الوقود المدعوم وبيعه في الخارج يساعد على دعم الفصائل السياسية المتنافسة- جيتي
قالت صحيفة "فايننشال تايمز" إن تهريب الوقود المدعوم إلى خارج ليبيا وبيعه في الخارج، يساعد على دعم الفصائل السياسية المتنافسة هناك، ويساهم في عرقلة جهود الأمم المتحدة لإجراء انتخابات، والحد من الفساد، وتوحيد البلاد تحت حكومة.

وأضافت في تقرير ترجمته "عربي21" إنه في أواخر آذار/ مارس 2024، اختفت سفينة "ماردي"، وهي ناقلة منتجات نفطية تبحر رافعة علم الكاميرون، تماما من قواعد بيانات تتبع السفن بعد أن قضت يومين تجوب البحر الأبيض المتوسط شرقي مالطا. ثم عادت للظهور بعد شهر شمالي ليبيا.

وتعد "ماردي" واحدة من 48 سفينة حددتها لجنة من خبراء الأمم المتحدة تُراقب الوضع في ليبيا. وذكروا في أحدث تقرير لهم في كانون الأول/ ديسمبر أنها قامت بـ 14 زيارة إلى ميناء بنغازي القديم وهربت أكثر من 13 ألف طن من الديزل بين آذار/ مارس 2022 وتشرين الأول/ أكتوبر 2024، في انتهاك لعقوبات الأمم المتحدة على ليبيا. ولا تملك المنظمة البحرية الدولية أي معلومات عن مالك "ماردي".

اظهار أخبار متعلقة


وفقا لخبراء الأمم المتحدة، فإنه يُمكّن التهريب من خلال نظام مقايضة مثير للجدل، تقوم بموجبه ليبيا - التي تفتقر إلى القدرة على تكرير الوقود على نطاق واسع - بمبادلة إنتاجها من النفط الخام بالوقود المكرر، بدلا من دفع ثمنه نقدا. ويُباع الوقود محليا بأسعار مدعومة بشدة.

لكن بعض هذا الوقود المستورد الرخيص يُهرَّب إلى الخارج "ليُباع بأسعار السوق السوداء أو بأسعار السوق بوثائق مزورة"، وفقا لتقريرها. ويُنتج هذا النظام "تدفقا ثابتا من الإيرادات" للجماعات المسلحة المرتبطة بالفصائل المتنافسة التي تُشرف على البلاد.

إحداهما هي حكومة رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة المعترف بها من الأمم المتحدة في طرابلس، والأخرى هي إدارة منافسة في الغرب يسيطر عليها المشير خليفة حفتر، والقوات المسلحة الليبية، وهي المليشيا التي يقودها.

ساهمت هذه الأموال المشبوهة في عرقلة جهود الأمم المتحدة لإجراء انتخابات، والحد من الفساد، وتوحيد البلاد تحت حكومة واحدة بعد الإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي عام 2011.

كما أنها عززت الإدارات المتعارضة والجماعات المسلحة التي تعتمد عليها، ما أدى إلى تعميق الانقسام في قلب رابع أكبر دولة في أفريقيا وسابع أكبر عضو في أوبك من حيث الاحتياطيات.

يقول تشارلز كاتر، مدير التحقيقات في "ذا سنتري"، وهي منظمة استقصائية تتعقب الفساد، إنه في حين تواجه مناطق بأكملها من البلاد نقصا متكررا في الوقود، فإن حكام ليبيا "يبدون راضين عن برنامج مبادلة الوقود الضخم".

وأمر النائب العام الليبي، صديق الصور، مؤخرا بوقفه بعد تحقيق أجراه ديوان المحاسبة، الجهة الرقابية في البلاد.

لكن وقفه قد لا يعني نهاية إساءة استخدام ثروة ليبيا النفطية. يشير تقرير الأمم المتحدة إلى ظهور شركة جديدة، تُدعى "أركينو"، تُصدّر النفط الخام، وهي أول شركة ليبية خاصة تقوم بذلك. وتُعدّ المؤسسة الوطنية للنفط، وهي شركة النفط الحكومية في البلاد، الجهة الوحيدة المُصرّح لها بالتصدير. ويضيف التقرير أن "أركينو" مرتبطة بجماعات مسلحة في شرق البلاد.

تقول كلوديا غازيني، المحللة البارزة في الشؤون الليبية إن التهريب كان في البداية ضئيلا ثم أصبح تهريبا كبيرا، ثم أصبح القول: "يمكننا زيادة كميات الوقود". والآن، أصبح القول: "يمكننا تصدير النفط الخام مباشرة".

ونصت قرارات مجلس الأمن على أن المؤسسة الوطنية للنفط وحدها هي المخولة بتصدير النفط، على أن تُودع العائدات في البنك المركزي الليبي.

وخلص أحدث تقرير للأمم المتحدة إلى أن تهريب الوقود من ميناء بنغازي القديم أتاح لقوات حفتر "وصولا غير مباشر إلى الأموال العامة"، بينما سيطرت الجماعات المسلحة في طرابلس والزاوية "بشكل مباشر على القطاعات الاقتصادية الرئيسية والمؤسسات الحكومية ذات الصلة لتهريب كمية كبيرة من الديزل".

وبدأ مخطط المقايضة في عام 2021 بعد أن اختارته الحكومة من بين ثلاثة خيارات قدمتها المؤسسة الوطنية للنفط لتخفيف نقص العملة الأجنبية، وفقا لمصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط آنذاك.

في رسالة إلى وزير النفط والغاز بتاريخ 13 نيسان/ أبريل 2021، اقترح صنع الله خيارات لاستيراد الوقود، قائلا إن عدم اتخاذ أي إجراء سيؤدي إلى أزمة وقود بحلول أيار/ مايو.

واستُبدل صنع الله في عام 2022 بفرحات بن قدارة، الذي كان محافظا للبنك المركزي في عهد القذافي، وسرعان ما توسّع نطاق المخطط. ويقول منتقدون إن هذا المخطط مُبهم ويفتقر إلى الرقابة.

وتضاعفت أحجام واردات المنتجات البترولية النظيفة تقريبا من 5.5 مليون طن في عام 2020، قبل بدء نظام المقايضة، إلى 10.35 مليون طن في عام 2024، وفقا لبيانات من شركة كبلر للاستشارات السلعية.

ووفقا لتقرير الأمم المتحدة، فإنه يتم استيراد حوالي 70% من الديزل في ليبيا، وكل ذلك من خلال نظام المقايضة. وتُظهر بيانات كبلر أنه في عامي 2023 و2024، جاء جزء كبير من واردات ليبيا من روسيا، التي تم استبعاد منتجاتها النفطية من الأسواق الأوروبية بسبب الحرب في أوكرانيا.

وبمجرد استيرادها، تشتري المؤسسة الوطنية للنفط هذه الأنواع من الوقود، وتدفع قيمتها الكاملة بالنفط الخام. ثم يُعاد بيع الوقود بأسعار مدعومة بشدة للموزعين المحليين والمستهلكين الصناعيين. هذا الدعم يعني أن الليبيين يدفعون مبالغ زهيدة مقابل البنزين والديزل والكهرباء، ولكنه يخلق حافزا واضحا لتحويل المنتجات البترولية إلى السوق السوداء المحلية أو خارج البلاد حيث يمكن بيعها بقيمتها السوقية الكاملة.

وذكر تقرير الأمم المتحدة أنه "حدد 185 عملية تصدير غير مشروعة للديزل من [ميناء بنغازي القديم] منذ آذار/ مارس 2022، بما يعادل حجم تصدير يُقدر بـ 1.125 مليون طن من الديزل".

كما أنها ذكرت أن الشركة العامة للكهرباء في ليبيا، وهي شركة مملوكة للدولة مسؤولة عن توليد ونقل وتوزيع الكهرباء، كانت "المصدر الرئيسي" للديزل الذي تم تهريبه خارج البلاد. ولم ترد الشركة على طلب "فاينانشال تايمز" للتعليق.

وقال البنك الدولي في تقرير صدر في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، إن ليبيا يُعتقد أنها تخسر أكثر من 5 مليارات دولار سنويا نتيجة للتجارة غير المشروعة. وذكر التقرير أن "تهريب الوقود من ميناء بنغازي يُقدر بأنه قد زاد بشكل كبير منذ الحرب في أوكرانيا".

وأدت الواردات المتزايدة إلى زيادة تكلفة الدعم للاقتصاد الليبي المتعثر. وفي رسالة إلى رئيس الوزراء الدبيبة في آذار/ مارس 2024، قال محافظ مصرف ليبيا المركزي آنذاك، صادق الكبير، إن التكلفة السنوية لواردات الوقود البالغة 8.5 مليار دولار "تفوق احتياجات البلاد"، وأشار إلى أن الدعم تضاعف ثلاث مرات ليصل إلى 12.5 مليار دولار بين عامي 2021 و2023. وبلغت حصة دعم الوقود 8.4 مليار دولار من هذا الإجمالي السنوي.

ويقول الكبير، الذي أقاله الدبيبة في آب/ أغسطس: "كان اعتراضنا أن لتر الوقود يكلفنا دولارا واحدا، بينما هو يُباع بثلاثة سنتات".

ويضيف: "هذا يُكلف الدولة مبالغ طائلة، ويُهرَّب جزء كبير من هذا الوقود إلى الخارج".

بدأ ديوان المحاسبة الليبي تحقيقا في هذه العملية العام الماضي. من أهم نتائجه، الواردة في تقرير غير منشور حصلت عليه صحيفة "فاينانشال تايمز"، أن قيمة واردات البلاد من الوقود بموجب نظام المبادلة بلغت 8.5 مليار دولار أمريكي في عام 2023، منها ما يزيد على الـ 8 مليارات دولار أمريكي من النفط الخام المُصدّر لتغطية تكاليفه.

اظهار أخبار متعلقة


وقد تولّت ثماني شركات التداول، ليس من بينها شركات من الدرجة الأولى في إنتاج النفط أو مجموعات تجارة السلع. وذكر تقرير ديوان المحاسبة أنه "تبيّن أن جميع هذه الشركات كيانات حديثة التأسيس وليس لها تاريخ يُذكر في صناعة النفط العالمية"، زاعما أنها "لم تخضع لإجراءات التأهيل المسبق القياسية"، بل "قُبلت وسُجّلت مباشرة بناء على توصية من رئيس المؤسسة الوطنية للنفط".

معظم الشركات المدرجة في التقرير تتخذ من الإمارات مقرا لها، حيث يصعب الحصول على معلومات حول الملكية النهائية. وكانت شركة "غلف أبستريم أويل آند غاز كونسلتينغ"، التي تأسست عام ٢٠١٢، الشركة صاحبة أكبر حصة من واردات الوقود. ولم تستجب الشركة لطلبات "فاينانشال تايمز" للتعليق على الأمر. وتأسست شركة "تيرا إنيرجي دي إم سي سي"، وهي شركة مشاركة أخرى، عام ٢٠٢٣. ولم تتمكن "فاينانشال تايمز" من الوصول إلى "تيرا إنيرجي" أو أحمد مصطفى الكريمي، المدرج كمدير في بعض قواعد بيانات الشركات، للتعليق.

يرى البعض أن هيمنة اللاعبين الإقليميين بدلا من اللاعبين العالميين تُشير إلى أن نظام المقايضة بشكله الحالي يُعتبر محفوفا بالمخاطر من ناحية السمعة في كثير من الأوساط. ويقول أحد المسؤولين التنفيذيين في صناعة النفط العاملة في البلاد إن الليبيين "اضطروا للبحث عن جهة مستعدة لأن تكون أقل تحفظا في المخاطرة".

الشركة الوحيدة المذكورة في تقرير ديوان المحاسبة التي استجابت لاستفسارات "فاينانشال تايمز" بشأن نظام المقايضة هي شركة تجارة السلع التركية "BGN"، التي تديرها الرئيسة التنفيذية رويا بايغان.

وانبثقت شركة "BGN" من مجموعة بايغان التركية العائلية، التي يبلغ عمرها 80 عاما، وبدأت بتجارة البتروكيماويات في التسعينيات قبل أن تتوسع لتشمل النفط وسلعا أخرى. ورغم قلة شهرتها خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد شهدت "BGN" نموا سريعا خلال العقد الماضي، حيث تداولت سلعا بقيمة تقارب 30 مليار دولار أمريكي في عام 2023.

ووفقا لتقرير ديوان المحاسبة، استلمت ثلاث شركات تابعة لـ "BGN" ما مجموعه 2.7 مليار دولار أمريكي من النفط الخام في عام 2023 بموجب نظام المبادلات، وهو ما يمثل 30% من حجم التجارة، وثاني أكبر حصة بعد شركة "غلف أبستريم".

وأعلنت "BGN" في بيان لها أنها "تعمل وفقا لأعلى معايير الامتثال لجميع اللوائح المنظمة لتجارة النفط في ليبيا، من خلال تعاون شفاف ورسمي مع المؤسسة الوطنية للنفط وجميع المشاركين في السوق والجهات المعنية".

كما أنها أشارت إلى "مخالفات مؤسفة" في تقرير ديوان المحاسبة بشأن عملية التأهيل، وقالت إنها "مؤهلة تماما" للمشاركة في نظام المبادلة، كونها "واحدة من 12 شركة تم اختيارها في عام 2021 من خلال عملية مناقصة تنافسية شفافة شملت 20 شركة محلية ودولية مؤهلة".

وتشير الدلائل الآن إلى أن نظام المبادلة قد يقترب من نهايته نتيجة للضغوط المحلية والدولية.

وأمرت رسالة أرسلها النائب العام الليبي في منتصف كانون الثاني/ يناير، واطلعت عليها صحيفة "فاينانشيال تايمز"، المؤسسة الوطنية للنفط "بالتوقف فورا عن أسلوب مقايضة النفط الخام بالوقود، واعتماد آليات تعاقد تضمن الشفافية في اتفاقيات توريد الوقود".

وأشارت الرسالة أيضا إلى أن تهريب الوقود قد ارتفع بسبب نظام المبادلة، الذي زعمت أنه "لا يضمن الصالح العام".

في تشرين الثاني/ نوفمبر، دُعي رئيس المؤسسة الوطنية للنفط آنذاك، بن قدارة، من قبل النائب العام إلى اجتماع لمناقشة عمليات المبادلة، إلى جانب رئيس ديوان المحاسبة ومحافظ البنك المركزي الجديد، ناجي محمد عيسى بلقاسم.

ويقول مصدران مطلعان على ذلك الاجتماع إن بن قدارة "صُدم" من حجم التفاصيل التي جمعها النائب العام حول الفساد المزعوم، ووافق على إنهاء مخطط المقايضة مطلع عام 2025. لكنه ترك منصبه فجأة في منتصف كانون الثاني/ يناير، متعللا بأسباب صحية، ولم يستجب لطلبات التعليق.

اظهار أخبار متعلقة


أبلغ خلفه، مسعود سليمان، رئيس الوزراء في رسالة اطلعت عليها صحيفة "فاينانشال تايمز" أن المؤسسة الوطنية للنفط ستوقف مخطط المقايضة اعتبارا من آذار/ مارس، لكنها لن تتحمل أي مسؤولية عن نقص الوقود إذا لم توفر السلطات أموالا كافية للواردات.

"أركينو"، شركة خدمات نفطية، كانت أول كيان ليبي خاص على الإطلاق تسمح له المؤسسة الوطنية للنفط بتصدير النفط الخام. وذكر تقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن الشركة، التي صدرت نفطا خاما بقيمة ٤٦٣ مليون دولار، تخضع "لسيطرة غير مباشرة" من قبل صدام حفتر، نجل خليفة حفتر.

التعليقات (0)

خبر عاجل