"يتجاهل الشعب ويقرّب العسكر في كل مناسبة".. السيسي يثير جدلا في مصر
القاهرة- عربي2119-Mar-2507:06 AM
0
شارك
مجموعة كبيرة من الضباط وقيادات الجيش تظهر إلى جانب السيسي بشكل مستمر- الرئاسة المصرية
عبر مصريون عن غضبهم من تجاهل رئيس النظام عبدالفتاح السيسي التام مشاركة الشعب المصري في المناسبات الدينية والرسمية، مقابل حرصه على التواجد بين قوات الجيش والشرطة طوال العام، التي يتوجها سنويا بالإفطارات الرمضانية، والتي تمت الشهر الجاري، مع وزارتي الدفاع والداخلية.
ذلك الوضع انتقده معارضون، واعتبروه عدم ثقة من السيسي في الشعب، ويشير إلى خوفه من التواجد إلى جوار رجل الشارع العادي، ويعزز فكرة البعض عن احتمائه بالجيش والشرطة ضد أي غضب شعبي، وهو الوضع المتزامن مع بعض الأزمات التي شهدتها البلاد ووقعت بين مدنيين وعسكريين، وأحدثت جدلا واسعا.
وهنا يشير الكاتب الصحفي المصري جمال سلطان، إلى أن "السيسي في اجتماع كل شهر إما مع الجيش أو الشرطة"، واصفا إياهم بأنهم "أهله وعشيرته ومصدر سلطته الوحيدة"، عاقدا مقارنة بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومؤكدا أنه "كل أسبوع أو كل شهر في لقاء أو زيارة لمؤسسة مدنية من مؤسسات الدولة".
وفي مقال له في "عربي21"، أشار الكاتب الصحفي قطب العربي، إلى أن "السيسي حرص أكثر من مرة على إطلاق رسائل الطمأنة للقلقين خلال زياراته ولقاءاته المتكررة والمتزايدة للأكاديمية العسكرية وغيرها من الكليات العسكرية بمناسبة وغير مناسبة، فتترس السيسي بالمؤسسة العسكرية وليس بالشعب هو عين القلق الذي يحاول تبديده لدى أنصاره".
وظهرت عدة مقاطع مصورة لمشاجرات حدثت متتابعة خلال الأيام الماضية بين مدنيين وبعض رجال الأمن الحاليين والمتقاعدين، قرأ فيها البعض تصاعدا لحالة الاحتقان بالشارع المصري تشابه ما سبق ثورة 25 يناير 2011، حذر منها مراقبون من أن تتحول إلى ثورة غضب ضد النظام الأمني القوي الذي صنعه السيسي منذ منتصف العام 2013.
"ضابط قنا" وإثر مقطع فيديو مصور أظهر مشاجرة بين أصحاب محل تجاري بمدينة قنا بصعيد مصر، وبين ضابط شرطة، أعلنت وزارة الداخلية المصرية الاثنين الماضي، حبس أصحاب المحل، وأرجعت الواقعة التي جرت 13 آذار/ مارس الجاري، لخلاف على أسعار المنتجات، وبيع بأكثر من السعر الرسمي.
وفي المقابل، يرفض أصحاب المحل ذلك الاتهام، حيث كشفت صور ومقاطع نشروها محاولة الضابط تحطيم كاميرات المراقبة بالمحل، ومحاولتهم منعه، ما أدى لتحول الأمر لمشاجرة، وذلك بعد رفضهم منح الضابط سلعا دون دفع ثمنها، وفق قولهم.
الحادثة أثارت جلبة في الشارع المصري، وحولها تحدث الدبلوماسي المصري السفير فوزي العشماوي، عن ما أسماه بالفجوة الكبيرة بين بيان وزارة الداخلية، ورواية الأهالي، مؤكدا أن "الحادث حلقة مهمة ومزعجة في سلسلة طويلة وتاريخ طويل من عدم الثقة بين جهاز الأمن وبين غالبية المواطنين".
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، شدد على ضرورة عدم إهدار كرامة وهيبة الشرطة وجهات إنفاذ العدالة، وفي المقابل طالب وزارة الداخلية بالاعتراف بأي تجاوزات أو فساد أو إساءة استخدام نفوذ يتورط فيه أي عنصر، داعيا لإصلاح جهاز العدالة، "شرطة ونيابة وقضاء وتشريع".
اظهار أخبار متعلقة
"ضابط الفردوس" وفي واقعة جرت 12 آذار/ مارس الجاري، كشفت مقاطع مصورة لضابط مصري متقاعد يحطم سيارة بآلة حديدة ويعتدي على سائقها، إثر حادث تصادم بين سيارتين ملاكي ترتادها زوجة الضابط وأخرى ميكروباص بمدينة الفردوس بمدينة السادس من أكتوبر غرب القاهرة.
الواقعة أثارت عبر مواقع التواصل الاجتماعي غضبا شعبيا، واتهامات لرجال الأمن بالتغول على حقوق المصريين، فيما خرج صفحات تتهم الداخلية بالعودة لممارساتها التي أشعلت ثورة يناير 2011.
"ضابط شبرا الخيمة" ومساء الاثنين، انتشر مقطع فيديو مصور لمجموعة من السيدات تشتكي من أحد ضباط قسم شبرا الخيمة الحي الشعبي المليوني الواقع في القاهرة الكبرى، وسط اتهامات للضابط بحشد بعض أفراد الأمن والاعتداء على النساء، وبينما لم يصدر توضيح من الداخلية المصرية للواقعة، تتحفظ "عربي21"، عن نشر المقطع.
سبقت تلك الوقائع وتزامنت بعضها مع حديث السيسي عن ضرورة تجنب الصدامات بين قوات الشرطة والشعب، وذلك خلال زيارته الأحد الماضي، إلى أكاديمية الشرطة، كاشفا عن برنامج يهدف إلى تجنب تكرار الصدامات بين الشعب وقوات الشرطة، والتي وقعت في أعقاب ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وعامي 2012 و2013.
وحذر السيسي، من تأليب الرأي العام ضد الشرطة من خلال نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة، بهدف زعزعة الثقة في المؤسسة الأمنية، مشيرا إلى أن بعض الجهات سعت قبل عام 2011 إلى تأليب الرأي العام ضد الشرطة.
ووفق تصنيف موسوعة قاعدة البيانات العالمية (NUMBEO) التي تهتم بتقييم مستوى الجريمة ودرجة الأمان في دول العالم، فإن معدلات الجريمة في القاهرة، تزايدت في السنوات الخمس الماضية لتصل إلى 62.08، فيما بلغ مستوى الجريمة 51.08 نقطة، كما سجل مؤشر الجريمة 50.47 نقطة.
وبحسب تقرير "مشروع العدالة العالمية"، تحتل مصر المرتبة 135 من أصل 142 دولة في مؤشر سيادة القانون لعام 2024.
اظهار أخبار متعلقة
"إفطار الفيوم" وعلى الجانب الآخر، كشفت مقاطع فيديو مصورة عن أزمات اجتماعية ومشاجرات بين الأهالي.
وتحول إفطار رمضاني بمدينة الفيوم غرب النيل إلى فوضى للبحث عن وجبة غذائية، في الإفطار الذي نظمه عدد من البرلمانيين والسياسيين المحسوبين على حزب "مستقبل وطن" الذراع السياسية للنظام، ولم ينجح في توفير وجبات لآلاف الأهالي.
ذلك المشهد قرأ فيه كثيرون صورة مصغرة من ثورة جياع محتملة، بفعل تفاقم نسب الفقر في البلاد، والتي يقدرها البنك الدولي في تقرير له عام 2019 بنحو 60 بالمئة.
وهو ما دفع الكاتب أحمد بيومي، للتحذير قائلا: "ما حدث بالفيوم يحتاج دراسة ووقفة والصورة لا تكذب، الناس جاعت والنمل طلع من الجحور"، فيما وصف الكاتب عمار على حسن، المشهد بالقول: "من الفيوم جاءت الإشارة فاعتبروا قبل فوات الأوان".
— عمار علي حسن Ammar Ali Hassan (@ammaralihassan) March 16, 2025
ويتزامن هذا المشهد مع وضع اقتصادي صعب يعاني من خلاله أكثر من 107 ملايين مصري يعيشون في الداخل من الغلاء، ورفع أسعار جميع الخدمات وبينها الوقود، وتراجع الدعم الحكومي، وضعف القوة الشرائية للجنيه، وتغول الديون على الموازنة العامة للدولة مع ارتفاع الدين العام للبلاد بعهد السيسي بنسبة 618 بالمئة.
ويصل حجم الدين العام المحلي والخارجي لأجهزة الموازنة إلى نحو 12.5 تريليون جنيه بنهاية العام المالي (2023-2024)، بما يعادل نحو 247.1 مليار دولار، بحسب تقرير الأداء الاقتصادي والمالي لوزارة المالية، الذي كشف عن ارتفاع حجم الدين العام بين عامي 2008 و2024 بما يزيد على 17 ضعفا.
وحذر خبراء اقتصاد بينهم الدكتور أحمد خزيم، من قرارات حكومية مرتقبة برفع أسعار الوقود ورفع الدعم عنه نهائيا خلال العام الجاري، مؤكدا أنه سيتبعه رفع أسعار الكهرباء، والنقل، والمحاصيل الزراعية، والخبز، مؤكدا أنها "جريمة ستؤدي لرفع التضخم وتوابعه وانخفاض القوة الشرائية وارتفاع الأسعار والمزيد من طبقات الإفقار".
"مشاجرة إمبابة" وفي واقعة أخرى شهد حي إمبابة الشعبي، في العاصمة المصرية القاهرة وقبل مدفع إفطار الاثنين، عراك وتقاذف بالحجارة بين عشرات المواطنين وآخرين، في الوقت الذي غاب فيه الحضور الأمني بشكل مثير للتساؤلات.
وتحدثت الكاتبة الصحفية زينب عبداللاه، عن ما أسمته "مشاهد الواقع المؤسف"، مشيرة لحالة الاحتقان بين الناس، ملمحة لحالات عجزت عن استيعابها منها: "هدم شقيق بيت شقيقه ببلدوزر قبل موعد الإفطار"، وإلى "تحطيم ضابط الفردوس سيارة سائق دورة مدرسية"، و"غلظة الناس وفظاعتهم بالتعاملات العادية".
"أسباب الأزمة.. والحل" وفي قراءته للمشهد المصري الحالي، وكيف يمكن الخروج من حالة الاحتقان تلك، والذي يجب على الدولة فعله، قال السياسي المصري عاطف عواد: "هناك عوامل كثيرة كان لها بالغ الأثر في تغير الشخصية المصرية في السنوات الأخيرة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، ذكر منها: "سوء الأوضاع الاقتصادية والتي تضاعفت فيها الأسعار بشكل غير مسبوق، وعلى فترات متقاربة تواكبا مع حدوث قفزات سريعة في سعر الدولار قضي على مدخرات الطبقة المتوسطة في المجتمع المصري، بل قضى على الطبقة المتوسطة ذاتها التي تآكلت، وتلك الطبقة من المفترض أنها رمانة الميزان لأي مجتمع".
ولفت ثانيا إلى "الانقسام المجتمعي الذي حدث بسبب الانقسام السياسي والذي جعل من المؤيد مؤيدا بعنف ومن المعارض معارضا بعنف، مقابل مما أحدث توترا شديدا وانقساما بين أفراد المجتمع، بل وداخل البيت الواحد، وفقدنا الإنصاف في النقد والتعبير مع إغلاق شبه تام لآفاق العمل السياسي يصاحبه تقلص العمل المجتمعي مما أحدث حالة من الكبت".
وأشار ثالثا إلى أن "الفن لم يعد وسيلة لتهذيب الذوق العام والارتقاء بالمجتمع ونشر القيم بل وصل إلى حالة غير مسبوقة من التردي، وأصبح فيه البلطجة بطولة والنساء سلعة والعنف الوسيلة الوحيدة للحصول على الحقوق الضائعة، وهو ما يسمى بفن العبودية".
وخلص البرلماني المصري السابق للقول: "تضافرت تلك الأمور لتشكل صورة بائسة لمجتمع قابل للانهيار على كافة الأصعدة والمطلوب على وجه السرعة إصلاح اقتصادي يواكبه إصلاح اجتماعي يواكبه إصلاح سياسي على صعيد الحريات والمصالحة الوطنية".
"ظهره للشعب منذ أول يوم" وفي قراءته لدلالات ذلك المشهد، وتجنب السيسي الحضور الشعبي مقابل مشاركة الجيش والشرطة فقط جميع المناسبات، تحدث الكاتب الصحفي أحمد حسن بكر.
وقال لـ"عربي21": "منذ أن استولى السيسي على السلطة، وهو يدير ظهره للشعب عندما يتحدث، ومنذ هذا الاستيلاء غير الشرعي أيضا، وهو يخاطب الشعب من خلال الندوات التثقيفية التي ينظمها التوجيه المعنوي للقوات المسلحة، مديرا ظهره للشعب وللحضور من جنود وضباط القوات المسلحة أيضا".
وأوضح أن "خبراء السياسة وعلم النفس فسروا ذلك السلوك على أنه إما عدم قدرة على المواجهة، أو عدم تقدير لجمهور الحضور، كما فسر البعض حديثه للشعب عبر الندوات التثقيفية المشار لها أنه احتماء بالجيش بمواجهة الشعب حتى حين يحدثه".
وأكد أنه "من هنا يتضح أن السيسي اختار منذ البداية الاحتماء بالجيش ضد الشعب، لأنه يُدرك أنه انقلب على اختيار الشعب، وأطاح برئيس مدني شرعي منتخب من الشعب بانتخابات حرة، ولأنه أيضا انقلب على مبادئ ثورة شعبية طالبت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية".
وأضاف: "ثم بعد ذلك وجد لزاما عليه أن يُدخل الشرطة ضمن منظومة حمايته من غضب الشعب، حتى لا ينال الجيش وحده نصيب الأسد من الغضب الشعبي".
" بركان ثورة في الطريق" ويرى المحلل السياسي المصري، أن "المواقف السابقة تكشف بشكل قاطع عن حالة غضب واحتقان شعبي لم يعد من الممكن إخفائها، وأن ثورة بركان الغضب الشعبي قد تندلع فجأة على غير ميعاد، لأن الشعب ضاق من العيش لضيق العيش، بل فقد أي أمل في الإصلاح، أو تحسن الأمور".
وتابع: "كما يشير حضور السيسي المستمر -بمناسبة أو بدون مناسبة- بين الجيش والشرطة إلى حالة من الخوف والترقب تسيطران على الرجل من إمكانية تحرك طوفان الغضب المنتظر، لذا يريد أن يبعث برسائل للشعب -الذي يعتبره خصمه اللدود الآن- مفادها أنه يحتمي بالجيش والشرطة، ومن يفكر في التحرك ضده لابد وأن يواجه مدافع ودبابات الجيش، وبنادق وسجون الشرطة".
"حقائق لا شائعات" وعن تحذير السيسي، من الشائعات التي تطال الجيش والشرطة، وذكره ما أطلق عليه أحداث 2011، و2012، و2013، ومدى ما يكشفه ذلك من مخاوف وترقب، أكد بكر، أن "السيسي يدرك أن كل ما تلوكه الألسن عن فساد داخل الجيش والشرطة بعد تورطهما في أنشطة اقتصادية تغيب عنها الشفافية؛ هو صحيح".
وبين أنه "لذلك يحاول أن يحذر وينفي، بل ويهدد أيضا كل من يحاول كشف هذا الفساد، الذي أورث الشعب كراهية وغضب لهاتين المؤسستين".
ويعتقد أنه "في كل الأحوال عند تحرك طوفان الغضب، فلا بد أن يصطدم بعنف بالجيش والشرطة لإفراغ مخزون الغضب، بعد أن باع ورهن السيسي كل أصول مصر تقريبا، وأشاع الفقر والخوف، وأفقد الشباب الأمل، وأفقد مصر مكانتها، وقيدها بديون كبيرة، ستعجز الأجيال القادمة عن سدادها".
وختم بالقول: "يخطئ السيسي كثيرا لو ظن أن الجيش والشرطة ستحميانه من طوفان الغضب، لأنهما سيبحثان عن من يحميهما من غضب الشعب الجائع، والجيش والشرطة سيفران منه حين يعم الطوفان، وكل منهما سيقول: نفسي نفسي".