تقارير

مشروع تقسيم سورية.. تهديدات جدية أم تهويلات إعلامية؟

 الإدارة السورية الجديدة أثبتت حتى الآن، أنها قادرة على تقديم أطروحات وصيغ تستوعب الجميع.. الأناضول
الإدارة السورية الجديدة أثبتت حتى الآن، أنها قادرة على تقديم أطروحات وصيغ تستوعب الجميع.. الأناضول
بعد سقوط نظام آل الأسد بات الحديث عن تقسيم الأراضي السورية إلى أربع دويلات، سنية ودرزية وعلوية وكردية متداولا على نطاق واسع، وهو ما يشكل، وفق باحثين تحديا حقيقيا وجديا للإدارة السورية الجديدة برئاسة الرئيس السوري للفترة الانتقالية، أحمد الشرع.

 ومن اللافت أن الحديث عن تقسيم سوريا غالبا ما يجري باستحضار مشروع قديم أعده المؤرخ والمستشرق البريطاني، برنارد لويس في ثمانينيات القرن الماضي، يهدف إلى تفكيك وحدة الدول العربية والإسلامية إلى دويلات عرقية ومذهبية وطائفية.

ووفقا لمراقبين فإن مشاريع التقسيم التي تستهدف تقسيم المقسم أصلا، مطلب أمريكي وصهيوني، تُمكن الولايات المتحدة الأمريكية من تعديل حدود سايكس بيكو بما يخدم مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني، في إطار استراتيجية الفوضى الخلاقة المثيرة للجدل، التي يجري استخدامها وتوظيفها لتفكيك دول المنطقة، والسيطرة على شعوبها.

وبخصوص مشروع تقسيم سورية إلى أربع دويلات، الذي كَثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة، ثمة إشكالات وتساؤلات تُثار حول ذلك، فما طبيعة ذلك التقسيم، ومن الذي يروج لهذا المشروع ويقوم على نشره وإشاعته؟ وهل ثمة مخاوف حقيقية وجدية على وحدة سوريا وتماسكها في ظل الإدارة السورية الجديدة أم أنها قادرة على إفشاله وتجاوزه؟

الكاتب والمحلل السياسي السوري، الدكتور عرابي عبد الحي عرابي يرى أن "سيناريوهات تقسيم سوريا على الرغم من الترويج لها في بعض الأوساط الغربية والإقليمية، إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى أن وحدة البلاد ليست مجرد شعار، بل ضرورة استراتيجية لمختلف الأطراف".

وقال عرابي في تصريحاته لـ"عربي21": "الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع تواجه تحديا مركبا، إعادة بناء الدولة وضمان عدم تحول النزاع إلى نموذج شبيه بالحالة الليبية" مضيفا: "ومما لا شك فيه أن قوة المؤسسات، والتوافق الداخلي، والدعم الإقليمي المتوازن، ستكون هي العوامل الحاسمة في إفشال مخططات التقسيم".

وتابع: "المرحلة القادمة ستحدد ما إذا كانت سورية ستعيد إنتاج نموذج الدولة المركزية القوية، أم أنها ستواجه مزيدا من التشظي تحت وطأة التدخلات الخارجية".

وردا على سؤال بشأن أبرز الجهات التي تروج لفكرة تقسيم سورية، لفت الكاتب والمحلل السياسي عرابي إلى أنها "تشمل عدة جهات دولية مثل بعض مراكز الأبحاث الغربية، ودوائر القرار في الولايات المتحدة وإسرائيل، التي ترى في تقسيم سوريا وسيلة لتقليل وإضعاف تأثيرها الجيوسياسي في المنطقة".


                                          د. أحمد عرابي كاتب ومحلل سياسي سوري

وأردف: "كما أن بعض الميليشيات في الجنوب السوري والجماعات المسلحة مثل بعض الفصائل الدرزية، وبعض مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبعض الفصائل المدعومة من أطراف خارجية، قد ترى في استمرار عدم الاستقرار فرصة للحصول على حكم ذاتي، أو دعم دولي لمطالبها الانفصالية".

وعن أداء الإدارة السورية الجديدة، رصد عرابي "عدة مؤشرات تُظهر قدرة الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع على إفشال مخططات التقسيم، من جملة تلك المؤشرات الخطاب الوطني الجامع الذي يؤكد على وحدة الأراضي السورية، ويرفض التدخلات الخارجية، ومبادرة الاتفاق مع قسد لدمج المناطق الخارجة عن السيطرة سابقا ضمن مؤسسات الدولة".

وتابع: "وكذلك عدم الانحياز التام لأي محور إقليمي أو دولي يساعد في تحقيق استقرار نسبي، لكن ثمة تحديات عديدة، من أبرزها المصالح المتضاربة للقوى الإقليمية والدولية، وهذا يتطلب استراتيجية دقيقة تمنع استغلال الطوائف والأقليات لتشكيل مظلة حلول تقسيمية، وهذه تحديات حقيقية ما زالت قائمة".

من جانبه قال الأكاديمي والباحث السوري، الدكتور سليمان الطعان: "ثمة تهويل مبالغ فيه لمسألة تقسيم سورية، وأظن أن حضوره في وسائل التواصل الاجتماعي أكثر منه على أرض الواقع، فقد انقلب الحال في السنوات الماضية بحيث باتت وسائل التواصل الاجتماعي وكأنها هي الواقع الاجتماعي، وهو ما أراه خطأ كبيرا".

وأضاف: "فالقضية أكبر من منشورات وتغريدات يقولها أصحابها دون أن يعوا ماذا يعني تقسيم بلد وإنشاء بلدان جديدة، ولو أخذنا مثلا للتوضيح السويداء، مثلا أو الساحل السوري، فما مقومات الدولة في الساحل السوري؟ وما مقومات الدولة في السويداء"؟

وردا على سؤال "عربي21" عن الجهات والقوى التي تقف وراء الحديث عن تقسيم سورية، أكّد الطعان "وقوف جهات عديدة وراء ذلك، لكنها تدرك استحالة تطبيقه عمليا، وقد يكون هدفها من وراء ذلك هو الوصول إلى صيغة حكم تشبه صيغة الحكم القائم في العراق أو لبنان، وهي صيغة تقوم على تعطيل الحياة السياسية والاقتصادية" على حد قوله.

وأشاد بأداء الإدارة السورية الجديدة التي "أثبتت حتى الآن، أنها قادرة على تقديم أطروحات وصيغ تستوعب الجميع، وعلينا أن نتوقف قليلا لنتذكر أن العفو الذي أصدرته الإدارة عن كثير من عناصر النظام السابق لا يمكن أن تقوم به إدارة أخرى ذات توجه علماني على سبيل المثال، فالإدارة الحالية، بخلفيتها السلفية الجهادية لديها قدرة على المناورة أكثر من أي إدارة أخرى، إذ لا يمكن لأحد أن يزاود عليها في مسألة الدماء التي سالت من عناصرها في الجبهات وفي المعتقلات".


                                        د. سليمان الطعان أكاديمي وباحث سوري

وتابع: "وهذا أمر يفوت الكثيرين ممن يعتقدون أن المشكلة في السلطة، في حين أن أحداث الساحل الأخيرة أثبتت أن السلطة تقف على يسار ـ إن جاز التعبير  ـ  جزء كبير من حاضنتها الاجتماعية".

وعن الاعتراضات ضد السلطة الجديدة، أشار الطعان إلى أن "الكثيرين من المثقفين في سوريا لا تعجبهم السلطة الجديدة، لكونها إسلامية، لذا ستبقى الاعتراضات قائمة ضدها، وتاريخيا فالمثقفون في سوريا ينتمون إلى منبتين قومي ويساري، وهذان الجذران لا يجدان في السلطة الحالية ما يعجبهم، لكنها تمثل في الواقع شريحة كبيرة جدا من السوريين العاديين، ولو دخلت أي انتخابات الآن لفازت بنسبة مريحة جدا".

وختم الطعان حديثه بالقول: "مع الاتفاق مع قسد، ومع الاتفاق مع الهيئات المدنية في السويداء والذي رفضه الهاجري، أرى أن السلطة تسعى بكل جهدها لتوحيد الناس وإيجاد قواسم مشتركة بينهم بدلا من لغة الإقصاء والإبعاد، وعلى الآخرين ألا ينظروا إلى أنفسهم على أنهم أنداد للسلطة من ناحية التمثيل العددي للسوريين".

بدوره رأى الباحث السياسي المصري، أحمد مولانا أن من أبرز الجهات التي تقف وراء دعوات تقسيم سوريا، وتقوم على ترويج ذلك "الإعلام الصهيوني، ومسؤولون إسرائيليون لأنه يعد بالنسبة لهم صمام أمان لدولتهم، دولة الاحتلال، وفي الوقت نفسه يضعف الدولة السورية الجديدة".


                                                       أحمد مولانا باحث سياسي مصري

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "المخاوف من مشروع التقسيم حقيقية، فجيش الاحتلال دمر الأسلحة الثقيلة المتبقية من عهد النظام، وأعلن منطقة محرمة على الجيش السوري بعمق 65 كيلو مترا من الحدود مع فلسطين، واستولى على كامل جبل الشيخ، ويحرض المكونات الدرزية ضد دمشق كما يتواصل مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)".

وختم مولانا حديثه منوّها "بالجهود التي يقوم بها الشرع لإحباط محاولات التقسيم، بتوظيف بعض الأطراف داخل المكون الواحد ضد المكونات الأخرى الداعمة للتقسيم، بحيث يظهر عدم وجود إجماع بين الأقليات على التقسيم، لكن نجاحه يتطلب دعما إقليميا ودوليا برفع العقوبات كي يتسنى البدء في إعادة الإعمار، وتلبية احتياجات السوريين مما يعزز شرعية الإدارة الجديدة".
التعليقات (0)

خبر عاجل