مدونات

حرب "بالوكالة".. بوتين كان على حقّ

نبيل الجبيلي
"تحوّلت الحرب إلى حمل ثقيل على واشنطن، تعمل إدارة ترامب على التخلص منه"- جيتي
"تحوّلت الحرب إلى حمل ثقيل على واشنطن، تعمل إدارة ترامب على التخلص منه"- جيتي
دأبت موسكو منذ ما قبل اندلاع الصراع في أوكرانيا، على التأكيد على أنّها تخوض مواجهة جيوسياسية مع أمريكا، تحولت إلى مواجهة عسكرية بسبب إصرار واشنطن على تهديد أمنها القومي بشبكات تنصّت وصواريخ حلف شمال الأطلسي (الناتو).

طوال ثلاث سنوات ونيف لم تحِد موسكو عن التشبث بهذه المقولة، وأصرّت على أنّها تقاتل أمريكا وحلف "الناتو" على الأرض الأوكرانية، برغم تعرّضها لحملة تشكيك واسعة من قبل وسائل الإعلام الغربية، كان لها تأثير على الرأي العام الجماهيري في أوروبا وأمريكا، وخصوصا مع حجب الرواية الروسية نتيجة الحظر الذي طال وسائل إعلامها.

بيد أن المشادة الكلامية الحادة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونائبه جو فانس من جهة، والرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي من جهة ثانية، قبل أسابيع، أكدت على صوابية الموقف الروسي، وإن بشكل غير مباشر.

فبعد هذا الاشتباك، اتخذ ترامب جملة من القرارات، على رأسها إيقاف تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، وكذلك وقف تمويل مبيعات أسلحة جديدة لكييف، كعقوبة مؤقتة تهدف إلى إرغام زيلينسكي على السير بخطة السلام الأمريكية، والتي تتطابق إلى حدّ كبير مع الشروط التي وضعها الرئيس فلاديمير بوتين.

تجميد التعاون الاستخباراتي، معززا بمنع إيلون ماسك وصول كييف إلى شبكة ستارلينك، أفقد القوات المسلحة الأوكرانية القدرة على مهاجمة واستهداف مناطق العمق الروسي، حيث صارت عاجزة عن تحديد الأهداف أو إرسال مسيرات، الأمر الذي فاقم من حراجة الوضع الميداني للقوات الأوكرانية.

فقد بينت تقارير في صحف "تيليغراف" و"صن" و"ديلي ميل" و"إيكونوميست" و"وول ستريت جورنال"، أنّ الاستخبارات الأمريكية زوّدت كييف بمعلومات كانت حاسمة في التخطيط الدفاعي وعمليات الهجوم المضاد، وببيانات دقيقة حول تحرك القوات المسلحة الروسية وأماكن انتشارها وتوقيت تحركاتها.

كما بينت أيضا، أنّ أنظمة "هيمارس" الصاروخية التي استخدمتها أوكرانيا في ضرب العمق الروسي كانت تعتمد على بيانات أمريكية عبر الأقمار الاصطناعية لشبكة "ستارلينك". وتشير التقارير إلى أنّ الجيش الأوكراني فقد أهم مصادر قوته في المعركة.

أظهر القرار أنّ خطط الحرب وقرارات الاستهداف والأسلحة المتطورة والدعم المالي والسياسي أمريكية، فيما القوات المسلحة الأوكرانية أداة تنفيذية، بما يعزز من موقف موسكو، وأنّ أمريكا هي من تخوض حربا معها بواسطة الجيش الأوكراني

وبالتالي، فقد أظهر القرار أنّ خطط الحرب وقرارات الاستهداف والأسلحة المتطورة والدعم المالي والسياسي أمريكية، فيما القوات المسلحة الأوكرانية أداة تنفيذية، بما يعزز من موقف موسكو، وأنّ أمريكا هي من تخوض حربا معها بواسطة الجيش الأوكراني.

ومع ذلك لم تنجح أمريكا، ومعها حلف شمال الأطلسي في ليّ ذراع روسيا وهزيمتها برغم كل الإمكانيات المتاحة، بل تحوّلت الحرب إلى حمل ثقيل على واشنطن، تعمل إدارة ترامب على التخلص منه.

وكذلك الحال بالنسبة لأوروبا، التي برغم استمرارها في دعم زيلينسكي، بدا قادتها عاجزين عن مدّه بالدعم المالي الذي يطالب به، وجلّ ما صارت تسعى إليه، حسبما تشير المداولات والاجتماعات المتلاحقة، هو كيفية حفظ ماء وجهها وضمان مقعدٍ لها على طاولة المفاوضات بعدما استبعدها ترامب.

ثم بعد ذلك، أتت تصريحات رئيس وزراء بريطانيا، أبرز حلفاء أمريكا، كير ستارمر، لتؤكد هذا التوجه، حيث قال غداة "قمة لندن"، التي عُقدت مطلع الشهر الجاري، وضمت 15 من قادة الدول الأوروبية الداعمة لكييف، إنّ "الدول الأوروبية تعمل على خطّة لإنهاء القتال في أوكرانيا لمناقشتها مع الولايات المتحدة".

في النهاية نجحت الضغوطات الأمريكية في إرغام زيلينسكي، وبشكل سريع، على القبول بوقف إطلاق النار لمدة شهر، يتم خلالها العمل على إنضاج عملية المفاوضات للوصول إلى اتفاق دائم، فعادت واشنطن إلى تزويد كييف بالمعلومات الاستخباراتية.

إلاّ أنّ الجانب الروسي لم يفوّت الفرصة، حيث صرح مسؤولون في الكرملين بأنّ ما حصل أثبت صحة موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إزاء الحرب، مع تأكيده مرة جديدة الانفتاح على التسوية، والتي صارت أقرب من أي وقت مضى.
التعليقات (0)

خبر عاجل