قضايا وآراء

العميل كراسنوف!

حمزة زوبع
ترامب وبوتين- الأناضول
ترامب وبوتين- الأناضول
"زعم ألنور موساييف، رئيس المخابرات الكازاخستانية الأسبق والضابط في جهاز "KGB" السوفييتي سابقا، في بوست نشره على الفيسبوك أن "KGB" قامت بتجنيد ترامب عام 1987" (تغريدة للصحفي والناشط الأمريكي اليهودي برايان كراسنيستاين).. "حسب زعم ضابط استخبارات سوفييتي سابق فقد تم تجنيد دونالد ترامب لصالح KGB، وكان اسمه الحركي كراسنوف (Krasnov)" (موقع ياهو نيوز- 21 شباط/ فبراير 2025).

عقب انتخاب دونالد ترامب رئيسا جديدا لأمريكا في عام 2016 وتصريحاته اللطيفة والناعمة تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شُنت ضده حملة إعلامية وسياسية ضخمة تزعم تورطه في علاقة استخباراتية مع بوتين أثناء زيارته لموسكو في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، صحيح أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية لم تعلن رسميا عن وجود تلك العلاقة، ولكن الكونجرس الأمريكي قرر المضي قدما في إجراءات خلع الرئيس المنتخب دونالد ترامب لأسباب مختلفة، وانتهى الأمر بخسارته انتخابات 2020 التي طعن عليها بالتزوير ولا يزال حتى اليوم يردد أنها كانت مزورة.

من خلال متابعتي لهذا الموضوع منذ عام 2017 وحتى اليوم، سواء في برنامجي مع زوبع على قناة مكملين أو عبر قناتي على اليوتيوب، فإن قصة تجنيد ترامب لصالح المخابرات السوفييتية تبدو قريبا من الواقع. ففي 11 كانون الثاني/ يناير 2017 نشر موقع BBC مقالا بعنوان: "هل تمت مساومة/ مقايضة ترامب كيف ولماذا وصلنا إلى هنا؟" للصحفي بول وود، نشر فيه أن المخابرات الروسية لديها شريط فيديو فاضح لدونالد ترامب وهو يلهو مع فتيات ليل روسيات في فندق ريتز-كارلتون في موسكو. الفيديو المشار إليه تحدث عنه رجل مخابرات بريطاني يدعى كريستوفر ستيل ويعمل حاليا مستشارا للاستثمار في روسيا، حيث عمل في السفارة البريطانية في موسكو لسنوات قبل أن يتفرع للاستشارات.

الحديث عن الفيديو والتعاون مع المخابرات الروسية أثار غضب الرئيس دونالد ترامب الذي غرد وقتها قائلا: "لا يجب على الأجهزة الاستخباراتية ألا تسمح بتسريب هذه الأخبار الكاذبة أبدا، هذه تصويبة أخيرة في اتجاهي، هل نعيش في ألمانيا النازية؟"، ووصف في تصريحات لاحقة له هذه الأخبار بأنها تخرج من أناس مرضى.

لم تنته القصة عند هذا الحد بل حاول ترامب القيام بانقلاب على السلطة في 6 كانون الثاني/ يناير 2020، وتم تجريم وإدانة الفاعلين، ولكنه ومع وصوله إلى السلطة في 2025 قام بالعفو عن كل من أدينوا وأفرج عنهم، رغم أن الاعتداءات على رجال الأمن والحراسة في مبنى الكونجرس مصورة وقد أذيعت على الهواء مباشرة آنذاك.

لم ينس ترامب أو "كراسنوف" ثأره مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في أمريكا العميقة، وعقب تسلمه السلطة قام بحملة واسعة في عدة اتجاهات لضرب الدولة الأمريكية العميقة، وهي خطوات قد تنتهي ليس ببناء دولة حديثة أو عظيمة كما يزعم، بل ربما تفكيك أمريكا على غرار ما حدث مع الاتحاد السوفييتي في عهد الرئيس السوفييتي الأخير ميخائيل جورباتشوف. وإليكم بعض هذه الإجراءات وأترك لك الحكم عزيزي القارئ عما الذي يمكن أن تؤدي إليه هذه الخطوات وما سوف يليها من خطوات غير متوقعة من جانب ترامب:

1- يدير ترامب الدولة من خلال لقاءات تلفزيونية وبث مباشر يعلن من خلاله قراراتها وأوامره التنفيذية على الهواء ومباشرة، وأحيانا ما يدير الدولة من مقر منتجعه الخاص بمارا-لوجو، في خطوة تشير إلى استهانته بالدولة وتقاليدها.

2- قرر العفو عن المدانين في اقتحام الكونجرس الأمريكي في أحداث 6 كانون  الثاني/ يناير الشهيرة، وهو ما يعني تأييده لما جرى ودعمه السياسي المطلق له.

3- تعيين الملياردير إيلون ماسك مسئولا عن تصفية الجهاز الحكومي الفيدرالي تحت مسمى وزارة الكفاءة الحكومية، رغم أن ماسك لم يمارس أي عمل حكومي من قبل ولم يتم انتخابه، بل سمح ترامب لماسك بالحصول على كافة البيانات والمعلومات الخاصة بموظفي الدولة ورفع تقارير عنها لترامب شخصيا، وقد قام إيلون ماسك بطلب تقارير إنجاز من كل موظف ومن لم يفعل سيتم فصله، وهذه طريقة معروفة للتخلص من الموظفين وتفكيك الجهاز الحكومي العتيق.

4- وقف أعمال وكالة التنمية الدولية الأمريكية المعروفة بـ"USAID" بطلب من إيلون ماسك، وهذه الوكالة التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية تزيد ميزانيتها السنوية عن 40 مليار دولار أمريكي، وبموجب القرار فقد تم تجميد العاملين بالوكالة ومنع تقديم المساعدات الخارجية إلا لثلاث دول فقط حول العالم، ,قرار مثل هذا يعني أن الذراع التمويلي لسياسات أمريكا في الخارج قد تم بتره.

5- استهداف وزارة العدل وعزل مجموعة من المدعين العموميين، في خطوة تشير إلى انتقامه من النظام العدلي الأمريكي بسبب ما جرى في فترة ولايته الأولى والانتخابات التي جرت عام 2020.

6- عزل بعض القيادات العسكرية في الجيش الأمريكي، ومنع المتحولين جنسيا من الخدمة في القطاعات المختلفة للمؤسسة العسكرية.

7- التطبيع مع روسيا التي تعتقد الأجهزة الأمنية أنها متورطة في الإنتخابات الأمريكية وأنها ساعدت ترامب في الفوز في انتخابات 2016، وعلى عكس تحذيرات أجهزة الاستخبارات قام ترامب بالتواصل مع بوتين والحديث عنه بشكل مختلف عن الرؤساء السابقين.

8- تعيين كاش باتل وهو من أصول هندية رئيسا لمكتب المباحث الفيدرالية (FBI)، وهي وكالة أمنية حكومية يصل عدد موظفيها إلى 37 ألف موظف ولها 55 مكتبا داخل أمريكا و60 مكتبا خارجيا تغطي كل دول العالم تقريبا. ويعد باتل من أقرب المقربين المخلصين لترامب وقد عمل مساعدا له كما عمل رئيسا لموظفي وزارة الدفاع من قبل، ويعتقد على نطاق واسع أنه سيقوم بعمل انقلاب كبير داخل هذه المؤسسة الأمنية الضخمة، والتي يراها ترامب أنها قد تآمرت عليه في التحقيقات التي أجراها روبرت موللر، المحقق الخاص والذي شغل منصب رئيس المباحث الفيدرالية من قبل.

9- تعيين بيت هيجسيث وزيرا للدفاع، وهو المعروف بلبس الصليب وبالوشم على جسمه وبإفراطه في شرب الخمر، وقد ضُبط لاحقا أثناء أحد المؤتمرات الصحفية وهو يتناول الخمر من تحت المنصة التي يقف خلفها للحديث، كما اتُهم أيضا باعتدائه الجنسي على امرأة في أحد فنادق كاليفورنيا عام 2017، وتم نفي الموضوع بحجة أنه كان بالتراضي بينه وبين تلك المرأة. ومعروف أن هيجسيث كان يعمل مذيعا بقناة فوكس نيوز المؤيدة للرئيس ترامب، ويرى هيجسيث ضرورة تخلي أمريكا عن الناتو وتقليص حصتها المالية في دعمه.

10- تعيين تولسي جابارد مديرة للاستخبارات الوطنية الأمريكية، وهي المعروفة بتعاطفها مع روسيا وترفض التدخل الأمريكي الخارجي، وألقت باللوم على حلف الناتو في حرب روسيا على أوكرانيا، وهو تقريبا نفس موقف ترامب من تلك الحرب.

11- الانسحاب من المؤسسات الدولية الكبرى مثل الصحة العالمية وحقوق الإنسان والأونروا، وهذا يعني تراجع الدور الأمريكي عالميا، ناهيك عن رغبة ترامب في تقليص الدور الأمريكي في أوروبا والناتو.

12- تصعيد الخلافات مع دول الجوار المباشر مثل كندا في الشمال والمكسيك في الجنوب والدخول في حروب تجارية مع دول العالم الكبرى مثل الصين، في الوقت الذي يخفف من حدة الخلافات مع روسيا ويقوم بالتطبيع معها ويؤيد غزوها لأوكرانيا، ويعتبر أن من حق روسيا الاحتقاظ ببعض الأراضي الأوكرانية عند توقيع أي اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا.

وقد يكون في الطريق المزيد من الإجراءات غير المتوقعة من ترامب تجاه الدولة العميقة التي أعتقد أنها ستقاوم كل محاولات ترامب أو العميل "كراسنوف" لتفكيك الولايات المتحدة الأمريكية أو إضعافها.
التعليقات (0)

خبر عاجل