تتجه
السلطة الفلسطينية للتواصل مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، وتقديم مقترح لـ"إصلاحات" يتعلق بآلية دفع رواتب
الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وهو ما يمثل نقطة هامة بالنسبة لـ"إسرائيل" نظرا لأنها تعتبر ذلك "تمويلا للإرهاب".
وذكرت "القناة 12" أنه بحسب الاقتراح، لن يتم دفع رواتب للأسرى وعائلاتهم وفقا لـ "الأفعال التي عوقبوا عليها، بل وفقا لمكانتهم الاجتماعية والاقتصادية"، وفي مقابل هذا التغيير يطلب رئيس السلطة محمود عباس، من الولايات المتحدة إلغاء قانون "تايلور فورس".
وقالت القناة نقلا عن مصادر خاصة إن السلطة الفلسطينية توجهت إلى إدارة ترامب وأعضاء كبار في الكونغرس وأعلنت عن استعدادها لتغيير نظام الدفع للأسرى الفلسطينيين المدانين بتنفيذ عمليات، وبحسب النظام الجديد فإن التغيير سيؤدي إلى عدم وجود "مكافآت لمرتكبي الجرائم".
وأضافت أنه "بحسب الاقتراح الذي أعده فريق بالنيابة عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لن يتم دفع أي مبالغ للأسرى وعائلاتهم عن الأفعال التي عوقبوا بسببها، ولكن سيتم تقديم مخصصات وفقا للوضع الاجتماعي والاقتصادي للعائلة، بينما يؤكد مسؤولون في السلطة الفلسطينية أن التغيير يعني أنه لن تكون هناك مكافآت لمرتكبي الجرائم".
ونقلت عن مصادر رفيعة المستوى في رام الله أن عباس يطلب مقابل هذا التغيير من الولايات المتحدة إلغاء قانون تايلور فورس الذي ينص على أن الولايات المتحدة لن تحول أي مساعدات للسلطة الفلسطينية حتى تتوقف عن دفع رواتب الأسرى من منفذي العمليات.
وأكدت المصادر أن عباس يسعى أيضا إلى إزالة العقوبات الأخرى التي فرضتها الولايات المتحدة على السلطة الفلسطينية، بينما يتوقع من "إسرائيل" التوقف عن خصم المبالغ المدفوعة للأسرى من أموال الضرائب التي تحولها للسلطة الفلسطينية، وذلك وفقاً لتشريعات الكنيست لعام 2019.
وتقول المصادر أيضا إن الإفراج عن نحو نصف الأسرى الـ480 المحكومين بالسجن المؤبد في السجون الإسرائيلية، ضمن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار المحتمل في قطاع غزة مع المقاومة الفلسطينية، "يخلق فرصة لتطبيق هذا الإصلاح".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد موقع "أكسيوس" الأمريكي هذه التحركات، ونقل عن مسؤول فلسطيني قوله: "أبلغنا الإدارة الأمريكية بقرار الرئيس عباس وقف الميزانيات المخصصة لعائلات الأسرى والشهداء".
وعقب ذلك، صدر عن عباس، مرسوما يقضي بإلغاء المواد الواردة بالقوانين والنظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى، في قانون الأسرى واللوائح الصادرة عن مجلس الوزراء ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وتضمن المرسوم نقل برنامج المساعدات النقدية المحوسب وقاعدة بياناته ومخصصاته المالية والمحلية والدولية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي.
وبموجب هذه التعديلات تخضع جميع الأسر التي كانت تستفيد من القوانين السابقة لـ"نفس المعايير المطبقة دون تمييز على جميع الأسر المستفيدة من برامج الحماية والرعاية الاجتماعية، وفقاً لمعايير الشمولية والعدالة، والتي تنطبق شروطها على كافة الأسر التي تحتاج لمساعدة في المجتمع الفلسطيني.
وذكر المرسوم أن مؤسسة التمكين الاقتصادي الفلسطيني "تتمتع بالشخصية القانونية الاعتبارية المستقلة التي يديرها مجلس أمناء يعينه الرئيس، وتعمل وفق قانونها ومهامها وآليات عملها الشفافة وتخضع لمعايير الرقابة الإدارية والمالية وبما ذلك الرقابة من مؤسسات دولية".
رواتب الأسرى
استناداً إلى القانون الأساسي الفلسطيني لسنة 2003 وتعديلاته المختلفة، يتلقى الأسير في السجون الإسرائيلية على خلفية مشاركته في النضال ضد الاحتلال راتبا أو مبلغا ماليا شهريا، بشرط ألا يكون موظفا، ويصرف هذا الراتب له أو لأسرته وينقطع فور تحريره من سجون الاحتلال.
وتنص المادة الثانية من هذا القانون أن كل أسير (اعتقل على خلفية النضال) يمنح راتبا شهريا يصرف له أو لأسرته، على أن لا يكون مستفيدا من راتب شهري من أي جهة حكومية أو شبه حكومية أو أية مؤسسة رسمية، كما أنه لا يجوز للدوائر الحكومية أو المؤسسات الرسمية أو المؤسسات شبه الحكومية أن تقطع رواتب الموظفين لديها في حال تم أسرهم.
وتؤكد المادة الرابعة أنه يستفيد من أحكام هذا النظام الشخص المفروض عليه الإقامة الجبرية من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، على أن يقدم ذووه الأوراق الثبوتية اللازمة لذلك إلى الإدارة المختصة، على أن يتم صرف راتب للأسير من تاريخ أسره، بحسب المادة السابعة.
اظهار أخبار متعلقة
وتتضمن مواد القانون إضافة العلاوات والزيادات على الراتب سواء بسبب وجود زوجة أو أبناء، وهو راتب تزداد قيمته بعدد السنوات وصولا إلى 30 عاما وحينها يكون الراتب الأساسي فقط دون العلاوات 12 ألف شيكل (3300 دولار)، بحسب أحكام المادة 12 من القانون.
وتعتمد السلطة الفلسطينية بشكل أساسي على أموال الضرائب في تغطية دفع رواتب موظفيها وتغطية نفقاتها التشغيلية، والجزء الأكبر من هذه الأموال تجمعه "إسرائيل" نيابة عن السلطة.
وشهدت السنوات الماضية حجزا متكررا وتأخيرا في تحويل هذه الأموال، الأمر الذي أدى إلى عجز السلطة الفلسطينية عن الوفاء بالتزاماتها المالية، سواء لموظفيها أو للموردين من القطاع الخاص، بعد قرار حكومة الاحتلال احتجاز جزء من هذه الأموال.
ويذكر أن الاحتلال يجمع أموال الضرائب عن البضائع التي تمر خلالها إلى السوق الفلسطينية مقابل عمولة 3 بالمئة، وذلك لأنها تسيطر على جميع المعابر التي تربط الضفة الغربية بالعالم الخارجي.
وتقول السلطة الفلسطينية إن إجمالي المحتجز من أموال المقاصة لدى إسرائيل وصل إلى أكثر من 6 مليارات شيكل (1.6 مليار دولار)، بحسب إحصائيات نهاية العام الماضي.
وقرر الاحتلال خلال عام 2023 احتجاز الأموال التي تدفعها السلطة الفلسطينية إلى أسر الشهداء والأسرى، وطالبت السلطة الفلسطينية بعدم صرف أموال لها، ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 يتلقى الموظفون العموميون في فلسطين، وعددهم قرابة 146 ألف موظف، أجورا منقوصة، لعدم قدرة الحكومة على توفير كامل فاتورة أجورهم الشهرية.
وتبلغ فاتورة أجور القطاع العام كاملا (موظفون، متقاعدون، أشباه رواتب كمخصصات الأسرى والجرحى وذوي الشهداء والإعانات الأخرى) قرابة مليار شيكل شهريا (270 مليون دولار).
وخلال السنوات الماضية، ذكر أسرى محررون أن السلطة الفلسطينية قطعت رواتب العشرات منهم في قطاع غزة والضفة الغربية، وأنهم "تفاجأوا لدى توجههم إلى البنوك لاستلام رواتبهم بعدم نزولها"، وذلك دون الكشف عن إحصائية رسمية توقف قطع الرواتب.
اظهار أخبار متعلقة
في عام 2014، عملت السلطة الفلسطينية على تحويل وزارة الأسرى والمحررين إلى هيئة حكومية، تحت اسم الهيئة العليا لشؤون الأسرى والمحررين، وبعد ذلك بأربع سنوات جرى إقالة رئيسها عيسى قراقع، وسط ترجيحات فلسطينية أن ذلك تم بسبب مواقفه الداعمة للأسرى، ومعارضته للعقوبات التي فرضت على غزة وشملت قطع رواتب بعضٍ من أسراها.
تايلور فورس
وفي 2018، صادقت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي بالإجماع على مشروع قانون "تايلور فورس"، الذي يقلص تمويل الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية في حال عدم توقيفها الرواتب الشهرية للأسرى من منفذي العمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وشمل التشريع حينها استثناءات تمكن تمويل برامج المياه الفلسطينية وبرامج اللقاحات المقدمة للأطفال في مستشفيات شرق القدس.
ويحمل القانون اسم "Taylor Force Act" نسبة إلى جندي أمريكي قتل في يافا في 2016، وهو صادر عن الكونغرس لوقف المساعدات الاقتصادية الأمريكية للسلطة الفلسطينية حتى تتوقف السلطة بدورها عن دفع رواتب من خلال "صندوق شهداء السلطة الفلسطينية" للأفراد الذين يرتكبون "أعمالاً إرهابية ولعائلات الإرهابيين المتوفين"، بحسب القانون.
وتم التوقيع على القانون من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضمن ولايته الأولى في 23 آذار/ مارس 2018، ما أدى إلى قطع حوالي ثلث مدفوعات المساعدات الخارجية الأمريكية للسلطة الفلسطينية.
بموجب هذا القانون صار ممنوعا تقديم مساعدات اقتصادية للسلطة الفلسطينية، وصارت أي مساعدات تذهب لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، وللمنظمات غير الحكومية، أو القطاع الخاص ورجال الأعمال، وهو ما جرى تقييده أيضا لاحقا وخلال ولاية ترامب الحالية.
العقوبات الأمريكية
وخلال الولاية الأولى، كشف تسعة نواب ديموقراطيين في الكونغرس الأمريكي في رسالة مفتوحة إلى ترامب، يطالبونه بالكشف علنا عما إذا كان قلص أو أوقف المساعدات للفلسطينيين، بدون إعلام الكونغرس حول هذا.
وفي ذلك الوقت جمدت الولايات المتحدة بصورة كاملة مساعداتها للسلطة الفلسطينية في انتظار مراجعتها، وهي خطوة تأتي بعد شهرين من إقرار الكونغرس قانون "تايلور فورس".
اظهار أخبار متعلقة
وجرى الحديث حينها أن المساعدات الأمريكية للضفة الغربية وقطاع غزة التي تستفيد منها السلطة الفلسطينية بشكل مباشر، سيتم تعليقها ما لم تتأكد وزارة الخارجية الأمريكية بأن السلطة الفلسطينية نفذت أربعة شروط.
وتلخصت هذه الشروط بـ"التوقف عن دفع الرواتب للمعتقلين الفلسطينيين، وسحبها القوانين التي تجيز دفع مثل هذه الرواتب، واتخاذ خطوات موثوقة لإيقاف الإرهاب الفلسطيني، والإدانة العلنية والتحقيق في أعمال العنف".
وفي بداية 2018 أعلن ترامب أيضا أن الولايات المتحدة تدرس مجددا المساعدات التي تقدمها للفلسطينيين بسبب "رفضهم التقدم بعملية السلام مع إسرائيل واستمرارهم بدعم الهجمات"، كما قام بتجميد 65 مليون دولار خصصت لـ"الأونروا".
وخلال الولاية الحالية، أصدر ترامب أمرا تنفيذيا بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وحظر تمويل "الأونروا"، ليكمل قرارات أخرى بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ منذ توليه منصبه في 20 كانون الثاني/ يناير 2025.
ويبدو أن خطة السلطة المقترحة بشأن قضية رواتب الأسرى بحسب المصادر الإسرائيلية، تأتي ضمن حملة الإصلاحات التي طالبت بها واشنطن خلال إدارة بايدن السابقة، تمهيدا لتولي السلطة حكم قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، وهي التي تضمنت تشكيل حكومة جديدة برئاسة محمد مصطفى.
ونفذت السلطة أيضا خلال الشهور الماضية حملة "حماية وطن" التي استهدفت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقالت إنها ضد "الخارجين عن القانون"، وهي التي انتهت بعملية عسكرية واسعة ومستمرة حتى الآن في أكثر من منطقة هامة في الضفة المحتلة.