سياسة عربية

هل نسفت أحكام "إنستالينغو" في تونس أي فرصة للحوار؟

الأحكام شملت أكثر من 40 اسما بين وزراء سابقين وأمنيين وصحفيين- الأناضول
الأحكام شملت أكثر من 40 اسما بين وزراء سابقين وأمنيين وصحفيين- الأناضول
أثارت الأحكام القضائية بتونس، في ما يعرف بملف"إنستالينغو"، مخاوف كبيرة عند السياسيين والحقوقيين والصحفيين، واعتبرت بمثابة التصعيد الخطير الذي سيزيد من تأزم الوضع والنسف الحقيقي لكل حديث عن التهدئة وإمكانية الذهاب إلى حوار وطني.

وبصدور الأحكام التي وصفت بـ"القاسية جدا والجائرة"، والتي تراوحت بين خمس سنوات و 54 سنة سجنا مع مصادرة أملاك بعض المتهمين وغرامات مالية مع منع من الترشح للانتخابات، أكد المتابعون للشأن السياسي أن التبعات ستكون سيئة وستزيد من تعمق الأزمة.

"أحكام تصعيدية"

وقال الأكاديمي والأستاذ الجامعي زهير إسماعيل: "الوصف شبه المجمع عليه حول الأحكام الصادرة في قضية إنستالينغو، أنّها أحكام ثقيلة وقاسية جدّا، وهو انطباع حاصل حتى عند من لم يستوعب ملف هذه القضية المعقدة على ما يبدو، وتعقيد هذه القضية يأتي من أنّها شملت السياسي ورجل الأعمال والأمني والصحفي من مشارب مختلفة".

وأوضح الأكاديمي في حديث خاص لـ"عربي21" أنه "يعود سبب هذا الانطباع حول قسوة الأحكام إلى ما راج من حديث عن الانفتاح والتهدئة صادر عن منظومة 25 يوليو، الحاكمة نفسها بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة والملابسات التي حفّت بها ونسبة المقاطعة التي فاقت الـ70 بالمئة".

اظهار أخبار متعلقة


يشار إلى أن تسريبات إعلامية قد تحدثت مباشرة بعد الأحداث التي شهدتها سوريا وسقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، عن قرب الدخول في حوار وطني بتونس لتوحيد الصف وتجاوز الخلافات، وقد تزامن ذلك مع مبادرة برلمانية تقدم بها عدد من النواب تدعو إلى حوار وطني وإطلاق سراح معتقلي الرأي وتأكيد إرساء المحكمة الدستورية واستقلالية القضاء.

بدوره قال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير: "الحوار مطلبنا الرئيسي كحزب معارض وهو من بين أسباب اعتقال الأمين العام لحزبنا عصام الشابي، ولكن نحن على يقين من أن ما تم تسريبه من حوار سيدعو له النظام القائم لا أساس له من الصحة".

وشدد الصغير في تصريح خاص لـ"عربي21"، على أن "كل حديث عن حوار وطني من النظام مجرد إدعاءات كاذبة، والأحكام الصادرة يقين على ذلك وهي أحكام للتنكيل بالمعارضة وتؤكد النزعة الاستبدادية لهذا النظام"، على حد تعبيره.

وأضاف الصغير: "لم يعد هناك أي مجال للشك أنه وبعد صدور الأحكام أن المنظومة قائمة على التشفي والتنكيل بمنافسيها وخصومها. الأحكام قاسية، فحتى من يرتكب جرائم قتل لا تسلط عليه مثل هذه الأحكام".

يشار إلى أن الأحكام والتي شملت أكثر من 40 اسما بين وزراء سابقين وأمنيين وصحفيين قد تجاوزت في مجموعها وفق هيئة الدفاع أكثر من الـ760سنة سجنا وهي أحكام غير نهائية قابلة للطعن وفق القانون في غضون 10 أيام.

وشدد وسام الصغير على أن "الأحكام حملة تصعيدية ومواصلة في خيار إسكات كل صوت معارض لمنظومة الحكم".

أي دور للمعارضة؟

وعن دور المعارضة في الخروج من الأزمة رد الصغير: "عليها أن تبقى صامدة وصوتا يعبر عن حجم الانتهاكات حتى لا نصل إلى حالة من التصحر، وهو ما تسعى له السلطة الحالية" وفق تقديره.

اظهار أخبار متعلقة


وأردف الصغير: "على المعارضة أن تبقى صوتا منددا ومشهرا بكل الإخلالات والانتهاكات التي تقترفها منظومة الحكم، وهذه مسألة على غاية الأهمية ولا تراجع عنها"، مشيرا إلى أنه "لا بد من مراجعات جذرية عند المعارضة لتموقعها وخياراتها وأسلوب فعلها وتقاربها في ما بينها وتجاوز خلافاتها".

من جانبه قال الأكاديمي زهير إسماعيل: "المعارضة تقر بضعفها وتشتتها لأسباب ذاتية.. العجز عن الالتقاء على مشترك وطني وأخرى موضوعية. طي صفحة الانتقال لا تخفي أنّ الأحكام القاسية وظروف إصدارها لا تنمّ عن قوة الحكم، وترى فيها عنوان ضعفه وعجزه عن مواجهة الأزمة المركبة والمتفاقمة".

وتابع: "كما أنها لا ترى فيها وعيا منه بخطورة الأزمة وحجمها وتحدّيها الاجتماعي الأخطر ولا تلمح من خلالها اعتبارا بزلازل المنطقة وآثارها إقليميا وعالميا منذ طوفان الأقصى، ويمثل انهيار نظام البعث في سوريا وتداعياته الاستراتيجية أهمها، وإيقاف العدوان على غزة وملابسات الاتفاق المبرم بين المقاومة والكيان أحد منعطفاتها".

ولفت الباحث إلى أنه "من الواضح أن رد فعل المعارضة بخصوص الأحكام يفصح، رغم إظهارها التفاجؤ بها، عن موقف ضمني يسعى إلى عدم رد الفعل لتجنب نتيجته الوحيدة المتمثلة في حالة توازن الضعف، والسبب العميق أن هذا التوازن بين الحكم والمعارضة يؤبّد الأزمة بتأبيد شروط إدارتها بدل حلّها".

ورأى إسماعيل أن "المعارضة تبدو أميل إلى الانسحاب، بتقدير أن الانسحاب يبسّط المعادلة السياسية ويترك السلطة في مواجهة مباشرة مع الاستحقاق الاجتماعي، وهو في حقيقته انسحاب مفروض بقدر ما يشهد عن تجريف متواصل باسم الوحدة الوطنية الصمّاء برنامجا للحكم ينطق بعجز المعارضة البنيوي عن بناء مشترك وطني لا بديل عنه لاستعادة الديمقراطية".
التعليقات (0)

خبر عاجل