"الزلزال السياسي" كان يوم 24 يونيو 2025 حين فاز "زهران ممداني" المرشّح الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية لعمدة نيويورك، بعد حصوله على حوالي 43.5٪ من الأصوات في الجولة الأولى، مقارنة بنحو 36.4٪ لـ "أندرو كووومو" الذي اعتبر الهزيم "ضرورية” وهنّأ ممداني على الفوز.
نحن نعيش اليوم نهاية حضارة عالمية تشكّلت منذ قرون وسببها نصرة الباطل واستعلاء الظالم على المظلوم، وهي الحضارة الغربية الحديثة التي بدأت مع النهضة الأوروبية واستمرت في التوسع حتى بلغت ذروتها بعد الحرب الباردة. لكن اليوم، نشهد أفول هذا النموذج، وصعود نظام دولي متعدد الأقطاب، يعيد توزيع القوة والنفوذ بين الشرق والغرب، وبين الدول الكبرى والقوى الإقليمية، داخل الأرض وخارجها.
"الشيخ راشد الغنوشي" فرج الله كربه ورفع شأنه، سألني بعد تكوين جبهة الخلاص، عن رأيي في المشاركة في الانتخابات الرئاسية، فكان ردّي واضحا وقاطعا، أنْ ليس من مصلحة الإسلاميين المشاركة فيها، سواء كانت المشاركة فعلية أو بالوكالة، فتلك جولة وصَوْلة لا مصلحة للإسلاميين فيها، بل ولا خير فيها لتونس، فنظام قام على انقلاب يجابه بالصبر والتفكر وتوعية الشعب ليأخذ حقه بيده فينتصر لمبادئه، وحقَّ للشعب أن يتطلع للتغيير مجتمعا، وإن أبى الشعبُ غير ذلك فهنيئا لهم بما استخفّهم به فرعونُهم.
من يبكي "إسماعيل هنية" فالأولى أن يبكي نفسه، فهنية ممن هم "فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون () يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين"..
علينا أن نسخِّر أوقاتنا وأقوالنا وجهودنا وفكرنا وتخطيطنا ونقدنا ومراجعاتنا، ثم نتحلى بالصبر سلاحا لا يُفلّ ولا يُترك، دون كَلٍّ ولا ملل ولا تعب ولا نصب، فلا نفتر ولا نتأخر كيف ما كان وكنّا عليه، فواقعنا بيد الله، والله هو المقيت، ومن علامات الرضا بقدر الله والإحساس بقربه..
مع تفاقم الأزمات في تونس ـ أرى مشروعا توافقيا يرتكز على شرعية مهزوزة لكنه يبقى في إطارها، يغلب فيه السياسيّ المبدئيّ البراغماتيّ على السياسيّ المبدئيّ المثاليّ، غايته حقن الدّماء وتجنّب سفكها..
انطلاقا من مأساويّة الأوضاع وخوفا على مستقبل الدّولة فإنّي أوجّه هذا النداء إلى كلّ غيور على تونس، يخاف على وحدةِ أرضها وأهلها، ويرجو لأبنائها مستقبلا واعدا وزاهرا، نداءٌ لمن يحمل دمّلةَ بلدي ويمكن أن يقدّم رأيا ونصيحةً تعين على البناء لا على الهدم..
يُجمع أغلب الطيف السياسي على ضرورة حياد المؤسسة العسكرية وحماية المؤسسات الدستورية وعدم المساهمة في تجريفها، والدفاع عن آمال الشعب التونسي في الحرية والتنمية والعدالة.